هذا المقال مترجم من مقال للباحثة “ج. ش. ذوالنونوفا” من معهد التاريخ في أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، ومن نشر معهد الثقافة والتنمية الآسيوي.
ارتبطت بعض الأطعمة في حياة الشعب الأوزبكي ببعض المناسبات الإجتماعية كالزواج والعزاء والحمل وما إلى ذلك، أو في بعض التواريخ المعتبرة خلال السنة كالأعياد والمناسبات الدورية. و تتراح عادات الطعام ما بين طبق معين إلى عدة أطباق تعد مرغوبة، أو في حالات حتمية لهذه المناسبة. و ارتبطت طريقة طبخها و أكلها ببعض المسلمات الإجتماعية. و تختلف هذه المسلمات بحسب الأطباق المقدمة، و يتم اتباع العادات حرفياً بالرغم من اختلافها في حدود شخصيات الحضور، أو قوة العلاقة بينهم، ونوع المناسبة.
و بعض العادات المرتبطة بالطعام لها جذور قديمة ربما يرجع بعضها للديانة الزرادشتية، وبالرغم من أن الإسلام لا يتفق كثيراً مع الزرادشتية، إلا أن بعض العادات تأصلت في المجتمع حتى باتت جزءاً منه، ولربما فسرها البعض بارتباطها بالدين الإسلامي بالرغم من أنها ليست منه. وطبخ الطعام وتبادله بين أفراد المجتمع يحدد الكثير من العلاقات المتبادلة سواءاً كانت دينية أم مهنية أو حتى في طبقات العمر.
ويعد طعام العرس من أهم و أعقد العادات في الحياة الاجتماعية، و له رمزية خاصة. ففي طاشكند يقدم الرز البخاري للعريس في طبق يسمى “لقن” ويتذوقه العريس، ويترك الطبق للعروس و صديقاتها ليأكلنه. و يبارك العريس الطبق الثاني لأصدقائه العزاب، و بذلك يكون قد أعطاه طاقة سحرية تجلب السعادة لأصدقائه و أصدقاء عروسه الغير متزوجين.

و في وادي فرغانة تقوم الخاطبات بسرقة أكواب أو أي نوع من أغراض المطبخ،ولا يعتبر ذلك شيئاً سيئاً، لأن أخذ الخاطبة لشيء من ذلك البيت يعني أنها تود بشيء من بركة و سعادة ذلك البيت. و ربما يرجع جذور هذا الاعتقاد إلى الاعتقاد بأن الطعام أو بعض أغراض المنزل من الممكن أن يؤثر على أحوال الناس.
وفي أثناء أداء عادة “سلام” يقوم الطاشكنديون بغمس يد العروس في الزيت أو الدقيق، و ذلك تفاؤلاً بجعل يد العروس “ياغلي” و “أونلي” أو بمعنى آخر هو تفاؤل وتمني الغنى والسعادة للعروس. و هذه العادة الأوزبكية تنتشر أيضاً عند عدد من الشعوب الناطقة باللغة التركية، وفي عادة أخرى يقوم بعض الأوزبك بها عند العرس، يقوم والدا العروس بوضع الدقيق على شفاههم إذا كانوا سعيدين بما قدمه أقارب العريس، ويقومون بوضع الرماد إذا كان الوضع غير ذلك.
وللخبز مكان خاص في العادات التي تسبق الزواج، فخلال “الفاتحة” يكون الخبز شعارا للترابط بين العائلتين، ورمزاً للموافقة بين الطرفين، وتقوم الخاطبات بكسر قطع مسطحة من الكعك وتقديمه للضيوف الجالسين على المائدة وتسمى هذه العادة “نان سانديريش” .

تساعد العادات على تخفيف بعض الضغط النفسي، والعادات المتعلقة بالطعام لا تحمل هذا المعنى في نفسها فحسب، وإنما يتواجد أيضاً في طريقة إعداد الطعام، والأهم من ذلك أن التحضير و الاستهلاك لهذا الطعام مرتبطان أيضاً بالتواصل الاجتماعي والحضور العائلي.
ومن هذه الضغوط، الضغط النفسي عند فقد حبيب، ولذلك أيضاً عادات تتعلق بالأطعمة في العزاء، فمن غير المستحسن إيقاد النار في بيت الفقيد لتحضير الطعام في اليوم الأول من العزاء، و ربما يعود ذلك إلى بعض البقايا من الديانة الزرادشتية، حيث يحرم فيها إيقاد النار بحضور الميت. و في بيت الفقيد لا يتم طبخ الطعام طيلة الأيام الثلاثة المخصصة للعزاء، ويتم توفير الطعام لأهل الميت من قبل الأقارب والجيران. وفي العزاء يعتبر “الحولڤَيتر” Holvaytar و هو عبارة عن دقيق و سكر محمران على الزيت، من الأطباق التي يتوجب عليها الحضور، حيث يعتقد أن الحولڤَيتر (الهلويتر) يساعد على التخفيف من خطايا الميت، وله قدسية خاصة، ويجب أن يقدم الحولڤَيتر ساخناً. أما السيدة المكلفة بطبخ هذا الطبق فيجب عليها التزام الصمت وعدم التحدث مع أي أحد كان، لأنه، وحسب الاعتقاد الشعبي، أن “السؤال والجواب” للميت في قبره يحدثان في تلك اللحظة.

ولا يأكل أحد قبل الدفن، أما بعده فيقدم الشاهي مع الهلويتر للمعزين، ويشرع في طبخ الرز البخاري “البلو”، وفي منطقة “مندان قشلاق” في وادي فرغانة يطبخون الرز الأسود “قرا أوش”.
وطبخ الرز البخاري لمدة أربعين يوماً له معنىً خاص، فالاعتقاد الشعبي يقضي بأنه ما دام الرز يطبخ، فالميت يظل في راحة و عافية من عذاب القبر، وبعد أن يؤكل الرز، يتم غسل قطعة من النحاس من قبل سبع نسوة، و أقرب واحدة منهن للميت تقوم بصب ماء ذلك الغسل في النبع أو الجدول، حيث يعتقد أن جسد الميت ينتفخ خلال التسعة و الثلاثين يوماً، و صب ماء ذلك الغسل في الماء الجاري يريح جسد ذلك الميت، أما إن لم تصبه بحذر وإتقان، فسيتعرض الميت لمزيد من الآلام والمعاناة.
ومن المناسبات العديدة التي يطبخ فيها الرز البخاري مناسبتي “قور يكدي” و “ليلاك كيلدي”. وللرز قداسة عظيمة، وإكرام للنعمة، فالبعض يعتبر حبة الأرز كسن شخص مقدس، ولذلك يعتبر رمي بقايا الرز من عظيم الإثم. وقد تعامل الأوزبك مع الطعام خصوصاً التقليدي منه باحترام كبير، وهو من أساسيات الحياة الاجتماعية في الأفراح والأحزان. وهو طبق موغل في القدم، وهو طعام لكل الطبقات، الغنية منها والفقيرة، وخاصة في المناسبات. والدعوة لطبق من الأرز أصبح مرادفاً للضيافة والكرم.
ويمكن تقسيم الطعام الذي يقدم في المناسبات إلى قسمين، الأول قسم لا يطبخ ولا يعرف إلا في مناسبات معينة، ويكون هذا الطعام متعلقاً بتلك المناسبة، وحضوره في تلك المناسبة حتمي لا مناص منه، ولذلك لا يمكن أن نجد هذه الأطباق في البيوت الأوزبكية في الأيام العادية، ومن تلك الأطباق مثلاً الحولڤَيتر والبغرسق. والنوع الآخر من الأطباق هو الطعام اليومي الذي يقدم ويطبخ في أي وقت، ولكن تصبح له مكانة خاصة ومزية في بعض المناسبات، وحضوره في بعض المناسبات مرحب به، وفي بعضه الآخر لازم، ومن هذه الأطباق الرز البخاري والقتلمة.

وفي الحديث عن الطعام المقدم في المناسبات يلزم التحدث عن الأضاحي، فقد تجاوزت هذه العبادة الدينية كونها مرتبطة بمناسبة دينية إلى ارتباطها عند الأوزبك بعدة مناسبات اجتماعية. ويكون لهذه العادة غرضان هما طلب رضا الرب، و طلب دفع البلاء و الفقر عن الرجل وأهل بيته، وتعد الأضحية عن الشخص الميت في العائلة جزءاً أساسياً من تقاليد العوائل الأوزبكية، وقد يستغل البعض تلك العادة للبحث عن الجاه والتباهي أمام أهل “المحلة”.
وفي طاشكند توجد عادة اسمها “خدايا” حيث، و تقام هذه المناسبة عند الإعداد للزواج، أو قبل الانتقال لمنزل جديد، حيث تقوم العائلات الغنية بذبح حصان، ومن هم دون ذلك يذبحون جدياً، ومن لا يستطيع ذلك يقدم “ديكاً” وعادة ما يكون لونه أسود. وتسمى هذه العادة “قان تشقاريش” ، ويجب أن يؤكل جميع اللحم من الحيوان أو الطائر المضحى به من غير أن يبقى شيء.
وللطعام أهمية خاصة في مناسبة المولد النبوي، فخلال المناسبة يتم إحضار خوان أو ما يسمى بالأوزبكية “دسترخان” Dasturxon وتوضع عليه الفواكه والشربيت الذي يوضع في إنائين مخصوصين لهذه المناسبة. وفي نهاية المولد تشرب النسوة هذه الشراب تباعاً، وأثناء ذلك تقوم “أوتين أيي” أو السيدة التي لديها علم لا بأس به من الدين بقراءة شيء من القرآن، وتشكر الله وتحمده على هذه النعم. أما في منطقة مندان قشلاق في فرغانة فيقدم الأرز المغلي للحضور، إلى جانب الحليب المحلى، والطعام الحلو والحليب المحلى يرمز إلى أنهار ونعيم الجنة الذي يتمنونه لأمواتهم.

و من العادات القديمة عند الاعتناء بشخص مريض، طبخ “الشولة” (الأزر المغلي مع القروت-الچشج) ويتركونها عند الجدول “أرِق” لتأتي أرواح الأموات وتبارك هذا الطعام حتى تساعد في شفاء المريض، ولا تزال هذه العادة موجودة لدى كبار السن.
وكان أهل الحي في السابق يجتمعون أيام الخميس والأحد لعادة اسمها “إس تشيقاريش”، يطبخون فيها الرز البخاري، ويعتبرون رائحة اللحم وهو يطبخ هدية لأرواح الآباء، الذين يزورون أبناءهم في هذه الأيام ومن يكرم الأموات بطبخ هذا الطعام، وذبح الشياة يحصل على بركة وحماية الأرواح له.

واستخدام الطعام للتواصل الروحي مع الأموات لا يقف عند هذا الحد، فالقمح كان يستخدم في مراسم العزاء في عادة اسمها “دورة” حيث يعطى الحانوتي اثنين وثلاثين كيلو غراماً من القمح ليدور حول منزل المتوفى على حصان، حيث يعتقد أن في ذلك تخليصاً للميت من ذنوبه، وكانت هذه العادة موجودة حتى الثلاثينات من القرن الماضي. واستبدلت بعادة أخرى حيث يعلق كيس صغير من الأرز على شجرة مثمرة، حيث استبدل القمح بالأرز، وهذه العادة اختفت ولا توجد سوى في ذاكرة كبار السن.
و بذلك نرى مدى تغلغل الطعام ودوره في المناسبات والعادات الاجتماعية، ولها دوافع مختلفة كالتواصل مع الأموات، أو تعزيز الترابط بين أبناء المحلة، وكذلك مساعدة الفقراء و الأرامل، وكل ذلك يدور حول الطعام.
اترك تعليقًا