سكن قارّة أميركا الشمالية سكانها الأوائل الذين وصلنها عبر ممر أرضي كان بمضيق بيرنگ بشمال شرق سيبيريا منذ عشرة آلاف سنة، قبل أنحسار العصر الجليدي الأخير. واستوطننّها منذ آلاف السنين قبل أن يستعمرهم الأورپيّون في القرن 15 الميلادي. وكان هذا الممر وقتها يربط شمال غرب أمريكا الشمالية بشمال شرق آسيا، وكان أغلب الأميركيّين الأصليّين حينذاك على ديانة شامانية من التي كانت تنتشر بين الشعوب التركيّة والمونگولية وعموم الطورانية في آسيا وأوروپا، قبل التنگرية والبوذية والمسيحيّة المانوية والإسلام.
واستطاع السكّان الأوائل تسخير المصادر الطبيعية وتأقلموا مع المناخ والأرض التي كانوا يعيشون بها. وخلال آلاف السنين أقاموا لهم ثقافاتهم وحضارتهم في شمال شرق القارّة. فاستعملوا أخشاب الغابات في بناء بيوتهم وصنع قواربهم (الكانو) وآلاتهم الخشبيّة. وفي جنوب غرب الصحراء زرعوا الذرة وبنوا بيوتهم من طابقين من الطوب اللّبن أو المجفّف في الشمس.

ظهرت في أمريكا الشمالية حضارة النحاس وحضارة الصيادين، في البر والبحر، ولا سيما حول البحيرات الكبرى في كندا والولايات المتحدة الأمريكية. وكانوا يصنعون آلاتهم من النحاس بطرقه ساخنًا أو باردًا. وفي المنطقة القطبية الشمالية مارسوا صيد الأسماك والحيوانات.
من بين مئات الجماعات التي عاشت من الأميركيّين، كان لكلّ مجموعة نظامها العشائري والسياسي ونموذج الملابس والأطعمة واللّغة والفنون ونماذج موسيقيّة ومعتقداتها الفلسفيّة والدينيّة الخاصّة. وكانت لهم سمات ثقافية تشبه ما هو موجود في مجتمعات أخرى في العالم القديم من بينها الارتباط بالأرض التي يعيشون فيها. ولما وصل كريستوفر كولمبوس أرضهم عام 1492م، كان عددهم يقدّر ما بين 40 إلى 90 مليوناً، أبادتهم لاحقاً الأمراض الأوروپية، وحرب الإبادة التي مورست عليهم لاحقاً في كندا والولايات المتّحدة الأميركيّة.
وتقسم حضارة أمريكا الشمالية وشمال المكسيك إلى حضارات جنوب شرق وشمال شرق وجنوب غرب وكاليفورنيا والحوض الكبير. وكان سكان شمال أمريكا يعتقدون أنّهم جزء من العالمين الروحي والطبيعي. وكانت أعيادهم مرتبطة بمواسم الحصاد والزراعة. وكانوا يمارسون الرسم الملوّن على الرمل باستخدام المساحيق الطبيعيّة الملوّنة. وكانت نساء قبائل بيبلو تصنع الفخّار المصقول من الطمي وتلوّنه بالزخارف الهندسيّة.
واشتهر أميركيو جنوب غرب القارّة الشمالية بصنع السلال. وكان أميركيو كاليفورنيا مشهورين بصنع المشغولات من الحجر وقرون الحيوانات والأصداف والخشب والسيراميك. وكانوا ينسجون ملابسهم من الأعشاب ولحاء الشجر والجذور النباتية وسيقان الغاب. وصنعوا الحصر والأواني. وكان الجاموس الوحشي له أهميّته بالنسبة للأميركيّين. لأنّهم كانوا يصنعون من جلوده الخيام والسروج والسياط والأوعية والملابس والقوارب. وكانوا يصنعون من عظامه السهام وأسنّة الرماح والحراب والأمشاط والخناجر وإبر الخياطة. ويصنعون من قرونه الأبواق والأكواب ومن حوافره الغراء.
ولم يستأنس الأميركيّون الأصليّون الجاموس الوحشي كما فعل الإنسان البدائي في آسيا وأفريقيا لأنّه كان متوفرا. وكانوا يصطادنه بالسهام ويتعقّبون آثار قطعانه عندما كانت ترعى في مراعيها أو تقترب لمصادر المياه لتشرب منها. لهذا أجادوا علم القيافة واقتفاء الأثر. وكانوا يعرفون اسم القبيلة من أثرها ويحصون عدد أفرادها ووجهتهم ولاسيّما بعد إغارتهم عليهم. لهذا كانوا يحدّدون أقصر الطرق للّحاق بهم وأسرعها لتعقّبهم واللّحاق بهم والانتقام منهم. ولم يسلم سكّان المدن من غارات الرعاة، فكانوا يحرقنها ويدمّرنها. وكان الأميركيّون الآباچ يتّجهون من الشمال الأمريكي إلى الجنوب حيث ممالك المايا والتولتك، ليخرّبنها ويحرقنها. وكانوا يجيدون الكرّ والفرّ في القتال.
وكانت أعراف وتقاليد القبائل الأميركية تشبه ما كان سائدا في القبائل الرعوية الرُحّل في بقية العالم القديم. وكانت هذه الأعراف شفاهية. فمن كان يستجير بقبيلة أجارته حتى ولو كان عدوا لها وتركته لحال سبيله. ولا يقتل الأطفال أو النسوة في أثناء القتال، ولا يتقاتلون بالليل.
وعاش الإنسان الأوّل في أمريكا الشمالية في الكهوف في أثناء العصر الحجري. وكان يزخرفها بصوره وصور الحيوانات. وكان يجلخ بالحجر لصنع حرابه ويصقل به سكاكينه وسهامه. وكان يصنع بيديه الفخار. وظهرت في أمريكا الشمالية حضارة بوبلو التي نسجت القطن وأقامت البيوت من عدة غرف من بينها غرفة تحت الأرض ليمارس فيها الشعائر الدينية، قبل وصول الإنسان الآسيوي من الغرب.