الشاورما من أكلات الشارع العثمانيّة، انطلقت من الشرق الأوسط لتصبح من أكثر الأكلات الشعبيّة شيوعاً في عالم اليوم أسوة بالسوشي والبرگر والفلافل. اليوم الشاورما هي المأكول الشعبي رقم واحد في أوروبا، وتستهلك المانيا وحدها 400 طن يومياً من لحومها في صناعة سندويش الشاروما.
وتُلفظ الشاورما بطريقتين في موطنها، بكسر الواو أو نصبها، بينما تحوّل اسمها في غرب الأناضول إلى دوٓنر كباب döner kebap، الذي يحمل ذات المعنى، كما تحوّل في اليونان إلى اييروس Gyro، التي تحمل ذات المعنى الأصلي أيضاً.
تعود كلمة شاورما العربيّة إلى الأصل تْشِڤرمِه أو تْشِورمِه أو چڤِرمَه أو چوِرمَه (حرف چ يُقرأ تْجِه) والكلمة من أصل صغدي شكله تْشِڤيرمِك أو تْشِورمِك çevirmek، الّتي تعني التدوير أو التقليب في لغة الصُغد والويگر التركيّة، وتقابلها في تركيّة الأناضول دوٓنر döner وفي اليونانية اييروس Gyro.
والتْشِڤرمِه هي تطوير عثماني من القرن الثامن عشر، لوجبة كباب لولِه Lüle kebabı الصغديّة، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2500 سنة، حين قام ترك الصغد وترك أذربيچان بتعديل وجبة آراميّة سوريّة تُسمّى كبابو، بإضافة زهرة عشبيّة إلى اللّحم المفروم لزيادة نكهة، وعلى الأغلب هي زهرة التوليپ. قام الصغديون بفرم اللحم ناعماً أو دقّه وإلصاقه حول أسياخ من القصب ليُشوى ببطئ على الجمر.
لاحقاً وخلال القرن الخامس عشر صار الباعة في أذربيچان والعراق في عهد دولة القره قويونلو، ينسجون شرائح رفيعة من اللّحم على عدة أسياخ متجاورة، بحيث تُشوى معاً ومن ثم تُفرم على طريقة كباب لوله، وبسبب ضرورة تقليبها باستمرار صارت تسمّى تْشِڤيرمِك كباب أو كباب تْشِورمِك، أي كباب التقليب، وارتقت هذه الوصفة لتصبح المأكول الشعبي الأوّل من مأكولات الشارع في بغداد القرن الخامس عشر.
كلمة كبابو الآرامية كانت تصف أي لحم يُشوى على النار، بأيّ شكل كان، وأكتر الأشكال الشائعة قديماً للكبابو هي ما نسمّيه اليوم في سوريا كباب شقف، بينما تحوّلت الكلمة ذاتها في سوريا الرومانيّة لتصف الكباب المفروم والمعجون بشكل كُرات، الذي نعرفه اليوم في بلاد الشام باسم الكباب.

لا تشبه وصفة الشاورما الحاليّة وصفة كباب لوله سوى بطريقة الشوي، حين قام مهاجرون من الصغد في منطقة أرضروم Erzurum التركيّة، بتطوير التْشِڤرمِه خلال القرن 18، بحيث صارت تُشوى على سيخ معدني يتمّ تقليبه أفقيّاً باستمرار على حطب مشتعل في منقل. لاحقاً استبدل أهل أرضروم اللّحم المفروم بشرائح من اللّحم، يُقتطع الناضج منها كي يسمح لبقيّة طبقات اللّحم بملامسة النار، ما ساعد على زيادرة كميّة اللّحم على السيخ الواحد. اليوم تُسمّى طريقة أرضروم في تحضير الشاورما: كباب جا (كباب جَغ) Cağ kebabı.

حوالي سنة 1830 قام مطعم إسكندر أفندي الشهير في مدينة بورصة التركيّة باختراع طريقة المنقل العمودي، التي سمحت بنصب سيخ التْشِڤرمِه بشكل عمودي بدلاً من الأفقي، لا أعلم بالضبط كيف استطاع الحجي اسكندر تمكين المنقل من الانتصاب عموديّاً، لكن اختراعه هذا هو ما فتح لنا باب انتشار الشاورما بهذا الشكل الواسع في عالمنا. اليوم تُسمّى طريقة بورصة في تحضير الشاورما: اسكندر كباب İskender kebap.
بطبيعة الحال انتشرت التْشِڤرمِه (التْشِورمِه) من بورصة باتجاه سوريا، كما وصلت بورصة من أرضروم. سنة 1906 افتتح المعلّم صِدّيق الخبّاز مطعمه للشاورما في ساحة المرجة في دمشق بعد أن ترك عمله في مطعم اسكندر أفندي في بورصة، حاملاً معه طريقة ووصفة الحاج محمّد بن اسكندر أفندي، ومن بعده انتشرت في دمشق لتُضاف إلى صلصتها حبوب الهال التي ميّزت مذاق الشاورما السوريّة الشهيرة.

لاحقاً وفي سنة 1945، ابن لاجئ من سمرقند في الصُغد، اسمه “بيى-تي گُولر” (سيدي زهور) Beyti Güler، افتتح مطعماً في إستانبول شرع في تقديم وجبات التْشِڤرمِه لأوّل مرة في المدينة مقتبساً وصفة تعلّمها في إقليم دوبرُجا Dobruca الروماني، وأطلق عليها اسم دوٓنر كباب döner kebap، تمييزاً عن بقيّة أنواع الكباب التي كان يقدمها مطعمه لزبائنه.
لم يكن من الشائع تقديم الشاورما أو التْشِڤرمِه ملفوفة بشرائح من الخبز، بل كانت تقدّم ومنذ بداية ظهورها، في طبق وإلى جانبها وجبة من الأرز البخاري پيلاڤ (پيلاو)، واستمرّت هذه العادة حتى وصلت التْشِڤرمِه إلى دمشق وإستانبول، حيث قدّمها مطعم صدّيق في دمشق خلال أربعينيات القرن العشرين، ملفوفة بخبز الصاج العربي ومقطّعة، إلى جوار وجبة من السّلطة الشاميّة، فظهرت لأوّل مرّة وجبة الشاورما العربي.
بينما قدّمها المعلّم بيى تي گُلر في استانبول سنة 1960 ملفوفة بطبقة من خبز التنّور التركي لتنال اسم دُورُم Dürüm أي ملفوفة، وشاعت هذه الطريقة تنتشر في عموم استانبول خلال الستينيات.

ثمّ وفي حيّ كرِويتسبرگ Kreuzberg الحدودي في برلين، خلال سبعينيّات القرن العشرين، أضيفت سلطة الملفوف (الكرنب) لأوّل مرة إلى سندويشة الشاورما واستخدم في تحضيرها خبز پيتا العربي إضافة إلى جبنة الفيتا اليونانيّة والشطّة المكسيكيّة، لتولد شاورما برلين Berliner Döner ولتصبح بعدها المأكول الشعبي الأوّل في المانيا وأوروبا.
في البداية كانت الشاورما تحضّر من لحم الحملان حصراً، ثمّ ومنذ الستينيّات صارت تحضّر من لحوم مختلفة كلحم البقر ولحم الدجاج ولحم الديك الرومي ولحم العجل ولحم الخنزير، وآخيراً في دمشق تمّ تقديم الشاروما من لحم السمك لأوّل مرّة سنة 2005، كذلك كانت دمشق من قدّم الشاورما بلحم الدجاج لأوّل مرة.

انتشرت تْشِڤرمِه في منطقة البلقان خلال الفترة العثمانية ووصلت حتى الحدود الإيطالية المعاصرة وكانت تسمّى تْشِڤَپي Ćevapi، لكنها انتشرت في البلقان قبل اختراع الشوي العمودي، ما أدّى إلى اقتصار كلمة تْشِڤَپي اليوم لتصف اللحم المفروم أو المدقوق فقط، بينما صارت الشاورما التي نعرفها اليوم تسمى في بلاد البلقان دوٓنر كباب.

كذلك انتشرت تْشِڤرمِه من بلاد الصغد عبر إيران في بلاد الپشتون وأفغانستان وپاكستان لتحمل الاسم الپشتوني تشاپلي Chapli والتي تشوى بتقليب اللحم المفروم على الفحم، محشور بين طبقتين من الشبك المعدني.

fans line up outside the Doner Kebab House in Wardour Street, Soho, London in 1977. Photograph: Maurice Hibberd/Getty Images
أوّل محل شاورما في لندن افتتحه مهاجر يوناني سنة 1966 يقدّمها على الطريقة اليونانية، كذلك قدّمها اليونان في نيوريورك لأوّل مرّة سنة 1971.
أوّل محل اسكندر كباب في المانيا افتتحه مهاجر من بورصة سنة 1969 في مدينة رِوتلينگِن Reutlingen جنوب المانيا، بينما انتشرت الشاورما في المانيا من برلين الغربيّة سنة 1972 مع العمّال الأتراك.

مؤنس بخاري، برلين
اترك تعليقًا