بعد سقوط الخلافة الإسلاميّة العبّاسيّة في بغداد على سيوف المغول تفرّقت القبيلة المالكة العبّاسيّة في أنحاء العالم الإسلامي، وتمكّن بعض أمرائها من تأسيس دول عبّاسيّة جديدة في مناطق متفرّقة من آسيا وافريقيا، من هذه الدول إمارة بستك، المعروفة في تاريخنا الحديث باسم شهرستان بندرعبّاس، أو إمارة بني عبّاس.

بعد سقوط بغداد على يد هولاكو سنة ١٢٥٨، وكان جيش المغول قد أباد مليونين من أهل العراقين مع المستعصم الخليفة العبّاسي، هرب فرع من القبيلة الهاشميّة إلى إمارة شيبَكوه (سفح الجبل) على ساحل الخليج الشرقي عن طريق البصرة على البحر، وكانت شيبَكوه مسكونة من بنو تجارة من عرب الهُوِلَة.
كرّمت قبائل الهُوِلَة الناجين من بني العباس ومنحتهم مكانة دينية إسلاميّة جعلتهم من أكابر الناس وسادة تجارة ما بين الهند وباكستان وعُمان والعراق.
سنة ١٥٠٣ سقطت المنطقة الساحليّة تحت نفوذ آل صفويان، فاستنجد العرب السنّة بمكانة العباسيّين بينهم للنجاة من التشييع الصفوي الإجباري، احترم الصفيّون مكانة آل عبّاس وتركوا للمنطقة خصوصيّتها المحلّية بإدارة العباسيّين، شريطة تبعيّة السياسة الخارجية لسياسات الدولة الصفويّة.
مع ضعف الدولة الصفوية انتقل العباسيّون داخلاً إلى مدينة بستك سنة ١٦٧٠ ثمّ أعلنوها خانيّة مستقلّة سنة ١٦٧٣ بدعم سياسيّ من الدولة العثمانيّة، الشريك التجاري الأوّل لمنطقة شيبَكوه.
سنة ١٧٠٢ تعرّضت بستك لهجوم من الّلر حلفاء آل صفويان فطردوا العبّاسيّين جهة الساحل، ما دفع القبائل العربيّة جميعاً في منطقة شيبَكوه إلى التحالف لتعود بستك إلى مكانتها العباسية بعد سنوات قليلة.
سنة ١٧٢٢ سقطت الدولة الصفويّة تماماً تحت سلطة الدولة الهوتاكية الأفغانيّة، فانتهزها العباسيّون فرصة وأعلنوا الاستقلال التام بكامل منطقة شيبَكوه تحت اسم خانيّة بستك أو خوانين بستك (جمع خان).
حكم العبّاسيّون خانيّة بستك حكماً لا مركزياً معتمداً على أمراء القبائل العربية في المنطقة، وباقتصاد عماده التجارة الدولية، أمّا الإمارات العربيّة تحت الراية العبّاسية فكانت:
- إماره القواسم
- إمارة المرازيق
- إمارة آل علی
- إمارة آل نصوري
- إمارة آل حرم
- إمارة الحمادي
- إمارة بني بشر
- إمارة الدواسر
- إمارة آل كنده
- إمارة العباسيّين
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أطلقت السياسات الدولية تسمية “إمارات عرب الهولة” على هذه الخانيّة العبّاسيّة.
توسّعت علاقات العرب السنّة على الساحل الشرقي للخليج مع جيرانهم على الساحل الغربي. كما كان عرب الساحل الشرقي يرتبطون اقتصادياً واجتماعياً بعائلاتهم وقبائلهم المقيمة بالجزيرة العربّية. لهذا ازدهرت مدينة “لنجة” في اواسط القرن التاسع عشر كميناء رئيس لسد حاجيّات “الإمارات المتصالحة” على الساحل الغربي. كما أصبحت سوقاً مزدهرة لتجارة اللؤلؤ.
سنة ١٧٧٩ حكمت إيران المملكة القاجارية التركمانية، التي سقطت تجاريّاً تحت النفوذ البريطاني-الروسي بعد هزيمة سنة ١٨٢٨. دأبت الشركات البريطانية على إثارة العمّال الشيعة على العرب السنة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
سنة ١٩١٨ سقطت مناطق جنوب إيران تماماً تحت الاحتلال البريطاني فقامت ثورات شعبيّة لمقاومة الاحتلال قادها رجال دين مسلمون شيعة. نظر الثوار إلى عرب بستك كعملاء للاحتلال البريطاني بسبب العلاقات التجارية المتميّزة بين البساتكة والإنگليز منذ سقطت سلطنة عُمان تحت النفوذ البريطاني سنة ١٨٢٠.
سنة ١٩٢٥ سقطت المملكة القاجارية التركمانية لمصلحة الفرس، وتمّ ضمّ خانيّة بستك إلى الشاهنشاهية البهلويّة بالتفاهم مع البريطانيّن، في عهد محمد رضا خان البستكي العباسي، مع إطلاق تسمية شهرستان بندرعبّاس على الخانيّة.
مع وفاة رضا خان قامت الحكومة البهلويّة بتعيين ابنه محمد أعظم خان البستكي العباسي ليكون محافظاً لمحافظة بستك، مع المحافظة على حدود الإمارة في محافظة إداريّة أُطلق عليها لاحقاً اسم هرمزگان.
سنة ١٩٦٦ تقاعد محمد أعظم خان البستكي العباسي من عمله كمحافظ وتوفي سنة ١٩٦٩ ودفن في بستك، وبوفاته انتهى حكم آل عباس لمنطقة جهانگیر بعد أكثر من ثلاث قرون من حكمهم المتواصل للمنطقة.
خلال سنوات تقاعده انتهى أعظم خان من كتابة كتاب (تاریخ جهانگیریه وبني عبّاسیان بستك) الذي كتب فيه عن تاريخ منطقة بستك، وتاريخ حكم الأسرة العباسية للمنطقة.
بعد سقوط إمارة بني العباس (بندرعباس) انتشر العباسيّون في دول الخليج العربيّة (الإمارات، قطر، السعودية، الكويت) ويُعرفون بآل العبّاسي وآل الشيخ والعبد الواحد والخان في الدمام.
اعتمد اقتصاد الخانيّة العبّاسية على التجارة البحرية الدولية، وبالأخص تجارة الهند وباكستان من جهة، والعراق من جهة ثانية، وكذلك اعتمدت على زراعة النخيل وبساتين الخضراوات والفاكهة، وعلى المنتجات الحيوانية، تمازجت في ظلالها اللّغتين العربيّة والفارسيّة وكانت الفارسية لغة رسميّة للدولة إلى جانب العربية، بينما اعتمدت الإسلام السني على المذهب العبّاسي مذهباً رسميّاً.
تابع الحكاية في تاريخ شاهيّة هرمز وميراث عُمان البحري
اترك تعليقًا