الفولاذ الهندواني أحد تقنيات سبك وكربنة الحديد الصلب المبتكرة جنوب الهند في القرن السادس قبل الميلاد، كان الفولاذ الهندواني يُستورد على السفن اليمنية من جنوب شرق الهند وسيريلانكا إلى دمشق، حيث تتم إضافة كربون شجرة معينة إلى طبقات الفولاذ لتحويلها لما يشبه ما يسمّى في عصرنا “السوپرپلاستك”، فولاذ خفيف الوزن وشديد الصلابة، ونوع الشجرة غير معروف اليوم.

ابتُكر الفولاذ الدمشقي في القرن الثالث وازدهرت صناعته في السيوف خلال عهد الدولة الأموية وبعدها العباسية، وانتشرت من دمشق نحو صقلية وبلنسية وغرناطة وقرطبة، وكذلك انتشرت في بخارى وسمرقند في عهد الدولة التيمورية، وانتقلت إلى اليابان حيث صُنعت منها سيوف الساموراي الكاتانا، وكذلك صنعت منها سيوف شانگو الصينية، ووصلت كذلك شمال الهند مع الدولة التيمورية (سلطنة المُغال) حيث أُسّست صناعة له في دلهي.

انقرضت صناعة السيف الدمشقي في سوريا خلال القرن السابع عشر، وانقرض تعدين الفولاذ الدمشقي بعدها بنحو مئة عام بسبب توقّف تصدير الفولاذ الهندواني من الهند، وبسبب وفاة حملة سرّ المهنة الذين أخذنها معهم إلى القبر.
توقّفت صناعة السيف الدمشقي في الهند سنة 1750 تحت ضغوط الإنگليز على صناعات دلهي، وكذلك بسبب تضييقهم على تجارة نظام الملك الخارجية. نظام الملك هي أسرة عريقة من سمرقند أسّست وحكمت سلطنة حيدرآباد جنوب الهند خلال القرن 18 واحتكرت تصدير الفولاذ الهندواني.

وكان آخر من استورد الفولاذ الهندواني في دمشق هم بيت نظام، أقرباء {آصف جاه} ملوك حيدرآباد. وآل نظام هم المُلّاك الأصليّون لبيت نظام في حارة مئذنة الشحم في شاغور دمشق، القصر الفخم الذي تحوّل إلى مقرّ القنصل الإنگليزي في سوريا مع احتلال الإنگليز لسلطنة حيدرآباد في الهند.
نسخة أخرى من الفولاذ الدمشقي معروفة في آسيا وشرق أوروپا باسم {بولات}. وكلمة بولات هي تحوير قوقازي قپچاگي (قفجاقي) عن كلمة {فولاد} الفارسية المحوّرة عن “فولاذ” العربية. عادت صناعة البولات إلى دمشق مع السلطنة العثمانية وتحوّرت الكلمة ليلفظها الدمشقيون اليوم {بولاد}، وكانت زالت الصناعة من دمشق نتيجة تدمير المدينة تحت غزوة تيمورلنگ في القرن 14، التي أحرقت المدن الجزراوية والشامية جميعاً بما فيها دمشق، قبل عودة تيمورلنگ إلى سمرقند مصطحباً خبراء الصناعات والحرفيّين أسرى وعبيد.
والبولاد الدمشقي هو نسخة أرخص من الفولاذ الدمشقي، ضاعت تقنية صناعته الأصلية منذ بداية القرن 19، لكن من المعروف عنها ومن النصوص القديمة، أنّها كانت تتضمّن في مرحلتها الأخيرة إطفاء نصل السيف بغمسه في برميل يحتوي زيت زهرة {الشبرق الشائك}، ثمّ يتمّ تبريد السيف سريعاً بتعريضه إلى ريح قويّة. و{الشبرق الشائك} هي فصيلة من البقوليات أصولها من المشرق العربي وانتشرت لاحقاً في المغرب وجنوب أوروپا.
سنة 1838 تمكّن مهندس المناجم الروسي {أنوسف بتروڤيتش} Аносов Павел Петрович من صناعة نصل مشابه للبولاد بعد دراسة السيف الدمشقي لثلاثة عشر سنة.

كان البولاد الدمشقي هو معدن سيوف جنگيز خان المُنگولي (المغولي) خلال القرن 12-13 ويُعتبر في التاريخ المُنگولي السبب وراء انتصاراته الإمبراطورية. وكان البولاد كذلك معدن سيوف القبائل الشمالية {النوردية} في أوروپا المعروفة باسم الڤايكينگ ما بين القرنين 8-14، وانتقل الاهتمام به عن طريقهم إلى القبائل الروسية خلال القرن 11، التي أدخلت كلمة “بولات” إلى لغتها.


اليوم، تنتج الكثير من الصناعات أشباهاً بالنصل الدمشقي، وخاصة في ألمانيا واليابان، لكنّها في الواقع تقليد لشكل نصل الفولاذ الدمشقي دون مطابقة الصناعة، حيث ضاعت تقنية صناعة السيف الدمشقي مع تقنية الفولاذ الدمشقي، نتيجة التكتّم الشديد على سرّ الصنعة وحفظها شفاهة في عائلات معدودة، وكل ما يُصنع اليوم هو تقليد للشكل لا المضمون.
أمّا الأنصال اليابانية المعروفة باسم سكاكين الساموراي الدمشقية فهي في الواقع أنصال بولاد وليست من الفولاذ الدمشقي، إذ ورغم انتشار صناعة السيف الدمشقي في العديد من مدن العالم القديم، لكن دمشق احتكرت صناعة وتصدير الفولاذ الدمشقي حتى زوالها في القرن الثامن عشر.
رابط لكتاب في تاريخ التعدين وأساليب صناعة المعادن في العالم القديم.