حكيت لك في تدوينة ماضية عن المجدّرة وحضورها في الأسطورة العربية. اليوم آخذك معي في جولة على وصفات المجدّرة المعروفة اليوم، في العالم.
نبدأ مع الوصفة العراقية العتيقة التي ذكرها البغدادي في كتاب الطبيخ في القرن 13. ثمّ نحكي في الوصفة العراقية المعاصرة، ومنها إلى الوصفات الثانية للمجدّرة.
يقول محمد بن حسن البغدادي سنة 1226 أنّ المجدّرة هي نسخة عن طبخة ”الأرز المفلفل“، والاختلاف الوحيد هو وجود العدس، وعدم وجود الزعفران. والأرز المفلفل حَسَبَ البغدادي هي وجبة لحم مقلّاية بليّة مسليّة حتى تتورّد وبعدها مغلية بالماء حتّى تنضج؛ مع مراعاة قشّ الزفرة. وتتبيلة اللّحم بعد أن ينضج هي الكزبرة اليابسة مع الكمّون والدارصين (نوع من القرفة) والمستكة والملح. بعد تتبيل اللّحم يُرفع عن النار. ولطبخ الأرز يُسلى مع اللّيّة (يُقلّى) وبعدها ينغمر بالماء بمقدار 3,5 أكيال ماء لكيلة أرز. وتكون ليّة الأرز ثلت مقدار اللّحم. ومتى استوى الأرز يُرفع من الماء ويُصبغ بالزعفران ويُعاد إلى الماء بدون تحريك، ويُغطّى ساعة. وبعد هذه الساعة تنفتح القدر ونرصف اللّحم المطهي على الأرز ونرجع ونغطّي بإحكام ولساعة أخرى. والكلام دائماً على نار هادئة (خفيفة) إذ كانت الناس تطبخ على مواقد الحطب.
المجدّرة حَسَبَ البغدادي هي نفس الأرز المفلفل سابق الذكر تماماً لكن باستبدال نصف كمية الأرز بعدس.

الآن، المجدّرة العراقيّة المعاصرة:
كيلة عدس منقوع يُقلّى بالزيت النباتي، ويقلّى معه كذلك ثلاث أضعاف الكمّية أرز منقوع. ثمّ ينغمر الجميع بأربع كيلات ماء ويُخلطون ويُتركون حتّى ينضجوا ويتركون للتهدئة. وبينما يتهدّى الأرز مع العدس، نُقلّي لحمة هبرة مفرومة بالزيت النباتي مع بصلة مترومة، والتتبيلة فلفل أسود مع كركم وملح وخلطة سبع بهارات عربية. وتُقدّم هذه المجدّرة طبقات: طبقة أرز وعدس عليها طبقة اللّحم المفروم ومغطّاة بالبصل المقلي، وإلى جانبها سلطة أو لبن زبادي.

أمّا المجدّرة السوريّة المعاصرة:
في سوريا الوصفات مختلفة للمجدّرة وتختلف فيها طريقة التحضير وكمّيات المقادير بحسب المنطقة، لكن بالعموم المكوّنات نفسها ودائماً نباتيّة، ويستغرب السوري عادة وجود لحم في وصفة المجدّرة. والوصفات مقسومة بين مجدّرة برغل، ومجدّرة رز.
الوصفة الأساسيّة هي عدس مسلوق مخلوط مع برغل، منقوع في مرق سلق العدس مع كميّة وافرة من زيت الزيتون. كميّة البرغل دائماً ضعف كميّة العدس، وتتبيلتها ملح فقط، وتقدّم مزيّنة بالبصل المقلي، وإلى جانبها مخلّل وسلطة عربيّة أو لبن زبادي. وهكذا نجد أنّ المجدّرة السوريّة صريحة بطعم العدس والبرغل فيها وتسعى وصفتها إلى أن لا يغطّي أي شيء على هذه النكهة.
مجدّرة الأرز السوريّة لا تختلف عن مجدّرة البرغل، سوى بطبخ الأرز على العدس بعد أن ينضج العدس المسلوق، وكذلك في نفس ماء العدس مع مراعاة كميّة المياه المناسبة لطبخ الأرز. وكميّة الأرز ثلاث أضعاف كميّة العدس.

المجدّرة الفلسطينيّة المعاصرة:
المجدّرة الفلسطينيّة هي ذات مجدّرة الأرز السوريّة. لكن، تختلف تتبيلتها، المكوّنة من مرقة سلق الدجاج مع فلفل أسود وكركم وخلطة سبع بهارات عربية وقرفة وملح. في المجدّرة الفلسطينيّة كميّة العدس نصف كميّة الأرز، واستعمال زيت الزيتون أقل بكثير.
وصفة ثانية للمجدّرة الفلسطينيّة شائعة في غزّة، فيها كميّة العدس تعادل كميّة الأرز، وينطبخ معها شعيريّة. كميّة البصل أكبر وتتبيلتها فلفل أسود وملح وكركم.

المجدّرة المصريّة المعاصرة:
في مصر المجدّرة لها وضع خاص بسبب تطوّرها المستقل. وتغنيجها على طريقة مطبخ الشمال المصري.
كلّ وصفات المجدّرة من العراق إلى فلسطين تستعمل العدس البنّي، لكن في مصر الوصفات تتنوّع باستعمال أنواع مختلفة من العدس، والعدس دائماً أكثر من الأرز بعكس بلاد الشام. والمجدّرة المصريّة من أكلات الشتاء ومن مضادّات البرد.
المجدّرة الصفراء مثلاً فيها كميّة العدس الأصفر ثلاث أضعاف كميّة الأرز. وتبدأ طبخة المجدّرة الصفراء بتقلاية البصل بزيت الزيتون مع العدس والأرز تالياً، ثمّ يُسلقون جميعاً بالماء. تتبيلتها كمّون ومرق سلق دجاج. وتقدّم مغمورة بزيت الزيتون، وزينتها خبز محمّص.
الوصفة الثانية للمجدّرة المصرية هي الكُشري. والكُشري صار معروفاً كأكلة مصريّة شعبيّة شائعة في كلّ شارع فيه مصريّ، حتّى لو كان مقيماً في اليابان. والكشري المصريّ مكوّن من الأرز مع السپگيتي والشعيرية والمعكرونة والعدس البنّي والحمّص والطماطم والبصل والتوم وزيت نباتي. وتتبيلتها كمّون وشطّة وملح.

المجدّرة الپُنجابية المعاصرة:
في پاكستان والهند المجدّرة معروفة بهذا الاسم (كِچِري) ومكوّنة من العدس مع الأرز فقط أو من العدس مع الأرز مع المعكرونة، وهي الوجبة نفسها الّتي باعها الهنود للمصريين في القاهرة وصار اسمها كُشري تحريف عن كلمة كِچِري الهندية.
لكنّ هذه الوجبة الهندية ليست معروفة في كامل الهند ولا كامل پاكستان، إنّما معروفة في منطقة الپُنجاب فقط. وأصلها هو إمارة كانت قائمة في المنطقة اسمها بهاولپور، حاليّاً ضمن پاكستان على شرقها، وأهلها يقولون عن أنفسهم أنّهم عبّاسيّين من العراق، وصلوا الپُنجاب بعد دمار بغداد في القرن 13. وجلبوا معهم هذه الطبخة من العراق. أيّام الاحتلال البريطاني لمصر استعملت بريطانيا جيش بهاولپور على مصر لأنّهم مسلمين، وهؤلاء العسكر كانوا لا يأكلون غير الكِچِري كلّ يوم، وأعجبت المصريّين الأكلة، وصاروا يطبخونها ويبيعونها على عربات للهنود، ثمّ أضافوا إلها دبس الطماطم وصارت الكُشري.
في بقيّة شمال الهند نلتقي طبخة ثانية مطابقة للمجدّرة تماماً، واسمها ”خِچدي“، ومعمولة من عدس وأرز وبصل.

المجدّرة الأفغانية المعاصرة:
في أفغانستان المجدّرة معروفة من عدس وأرز واسمها “عدس پْلو”. وأكلة عدس پْلو فيها الأرز غالباً بسمتي، لكن ممكن أستعمال أنواع ثانية من الأرز. وكمّية الأرز ضعف كمّية العدس، وتطبخ مع لحم مفروم ناعم. وكميّة كبيرة من الزبيب. وتتبيلتها قرفة وملح وزيت زيتون حلو وزعفران مذاب. وتقدّم العدس پلو مزيّنة باللّحم المفروم المقلي، والزبيب والبصل المقلي.

المجدّرة الإيرانية المعاصرة:
في إيران المجدّرة معروفة من عدس وأرز واسمها “عدس پولو”. وأكلة العدس پولو فيها الأرز بسمتي، بعكس المجدّرة العربية الّتي تستخدم الأرز المصري، وكميّة الأرز ضعف كميّة العدس وتُطبخ بنفس الطريقة العراقية المعاصرة تماماً مع لحم. لكن، تتبيلتها مكوّنة من القرفة والكركم والملح فقط. وتُقدّم مع لبن خاثر منكّه بعشبة ما، حسب المزاج… نعنع أو شبت أو أي عشبة مرغوبة.

المجدّرة اليونانيّة المعاصرة:
أما في اليونان فالمجدّرة معروفة من عدس وأرز وعصرة ليمون واسمها ”عدس مُجنْدِرا“ Φακές Μουτζέντρα. وأهل اليونان يستعملون في المجندرا أرز مصري، وتكون كميّة العدس فيها ثلاث أضعاف كمية الأرز. وتتبيلتها ملح وخل ودبس الطماطم ومرق سلق الخضار. وتُقدّم باردة مع فص ليمونة.
هل تعرف وصفات أخرى للمجدّرة؟
اترك تعليقًا