يحتفل كلّ العالم اليوم وبطريقة ما بعيد الهالوّين. وعلى الرغم من عدم ارتباط هذا العيد بأيّ من الأديان المعاصرة؛ لكن، ومع ذلك انتشر بواسطة الإعلام الأميركي في مختلف أنحاء العالم، وصار يحتفل به الكبار قبل الصغار، مع كونه عيداً خاصّاً بالأطفال. لكن، هل في العالم احتفالات مشابهة للهالوّين من وحي التراث المحلّي لكلّ من شعوب العالم؟ أم أنّه مجرّد عيد دخيل وأجنبي؟

في الغرب، تعود شعائر الاحتفال بالهالوّين أساساً إلى الأديان الكلتية السابقة للمسيحيّة. وعلى الرغم من إبادة الثقافة الكلتية في أوروپا لمصلحة انتشار الثقافات الجرمانية الكاثوليكيّة؛ لكن بقيت شعائر الهالوّين مستمرّة في مجتمعات صغيرة في اسكوتلاندا وآيرلاندا وويلز، حتّى بعد التحوّل إلى المسيحيّة… تسمية الهالوّين أتت من اللّهجة الاسكتلاندية من اللّغات الكلتيّة الغربيّة، وكانت في الأساس {آلّه هالّوز إيڤه} All Hallows’ Eve أي {ليلة تساوي جميع القدّيسين} حيث احتفل كلت أوروپا وطوال قرون بيوم من العام تتساوى فيه جميع الآلهة المعبودة، وتتساوى فيه كذلك الملائكة بالشياطين، ويحتفل أديان الطوائف المختلفة معاً في هذا اليوم بغضّ النظر عن اختلافاتهم الدينيّة وخلافاتهم الطائفية. فهو عيد الاحتفال بإلغاء التفرقة الدينيّة. والسبب أنّ آلهة البعض المقدّسة كانت تُعتبر شياطين في أديان غيرهم. والعكس صحيح. فتقدّم الناس بهذا اليوم لكي تُلغى كلّ اعتبارات القدح ما بين الناس.

على الجانب العربيّ المشرقيّ كذلك نجد شعائراً لعيد مشابه، عريق وقديم من عمق التاريخ، يحتفل به عرب الخليج اليوم باسم عيد گرگيعان. وگرگيعان عيد عربيّ جميل مليئ بالفرح، ومنتشر بين عرب شواطئ الخليج. يأت اسمه من القرقعة التي يثيرها الأطفال مطالبين بالحلويات. وتختلف تسمية العيد العربي ما بين مدن وقرى منطقة الخليج، ففي وسط العراق مثلاً وإلى الشمال من شطّ العرب يسمّى العيد {ماجينا} اختصاراً لأهزوجة {جينا وما جينا}، أمّا إلى الجنوب من شطّ العرب وحتى عُمان فنسمع عدّة تسميات منها: القرقيعان أو القريقعانة أو الگرگيعان أو الگريگعان أو الناصفة أو الگريكشون أو الگريكچون أو القريقشون أو قرقاعون أو قرنقعوه أو گرنگعوه أو القرنقشوه أو حقّ الليلة.

وخلفيّة موعده الإسلامي في منتصف رمضان تعود إلى موعد مولد الحسن بن علي بن أبي طالب، حفيد رسول الإسلام من فاطمة. وكذلك يحتفل به آخرون من عرب الخليج في ليلة النصف من شعبان. أمّا في دول وسط آسيا فيحتفل الأوزبك والتركمان والقيرغيز والطاجيك وبعض الأفغان والپشتون في پاكستان كذلك، بشعائر لا تختلف عن القرقيعان، لكنّها تسمّيه أيّام ترانيم رمضان، حسب اللّغات المحلّيّة. وبرغم ارتباط هذا العيد بانتشار الإسلام في هذه البلاد، غير أنّ مجتمعات تركستان تعرف ماضياً قديماً لهذه الشعائر، يسبق الإسلام، ويرتبط بأديان عبادة الشمس القديمة.
في منطقة الخليج العربي كان هذا العيد موجوداً قبل الإسلام ومعروف، وشعائره ممارسة طوال آلاف السنين وقبل الهالوّين بألفيّ سنة على الأقل. ينتشر بين عدد كبير من القبائل العربيّة ذات الأصل المعيني العائد إلى شرق شبه الجزيرة العربيّة؛ بكلّ مكان. مثلاً بين عرب السودان يُعرف العيد باسم {الرحمتات}، وعرب السودان غالباً قبائل يمانيّة وعُمانية. في السودان لا ارتباط ديني لعيد القرع {الرحمتات}، غير أنّه شعائر يمارسها الأطفال فيجولون يقرعون الطبول والدفوف لجمع الصدقات في آخر خميس من رمضان.
وفي ليبيا وفي منطقة إب اليمنيّة يحتفل الناس بذات شعائر عيد القرع {الرحمتات} بعيد يسمّى {الشعبانيّة}، مع إضافة طقسيّة هي جمل الشعبانيّة، الدمية التي يرتديها رجلين لإثارة البهجة في قلوب الأطفال الصغار. جمل الشعبانيّة اليمني طقس مشابه بالفكرة لشعائر احتفالات المكسيكيّين والصينيّين في أعياد مختلفة باستخدام دمية {الپِنياته}.

في المكسيك احتفل المكسيكا قبل الفتح الإسپاني بعيد الشمس بصناعة پِنياته عملاقة على شكل الشمس وملئها بالحلوى، لكي تكسرها المختارة فوق المحتفلين لتتساقط الحلوى على رؤوسهم. واحتفل المايان كذلك بذات العيد لكن في موعد مختلف يطابق الاحتفال بعيد ميلاد ملكهم المؤسّس {ويتسيلوپوچلي} Huītzilōpōchtli فكانت تُصنع دميته على شكل ديك رومي أو تنّين. أمّا في رأس السنة الصينيّة فتُصنع دمية بشكل بقرة أو ثور وتُملأ بالحلوى وتهرب في الزواريب مجرورة، ثمّ يتبارى الأطفال على ضربها لكسرها واستخراج الحلوى من داخلها.

العيد العربي قديم جداً، وتغيّرت مواعيده مع الأديان، وتغيّرت حتّى تبريرات الاحتفال فيه، لكن بقيت شعائره واحدة؛ بخروج الأطفال مساءً بملابس شعبيّة جميلة ومزيّنة بالذهب تتباهى بها البنات في أجمل حلى، يحملون معهم سلالاً ملوّنة من القش أو أكياساً قماشيّة، مع المطالبة بالحلويّات والمكسّرات من بيت إلى بيت؛ من طريق القرقعة وغناء أهازيج طفوليّة خاصّة بالعيد.

في شمال ألمانيا يحتفل الناس بشعائر مماثلة للهالوّين في آخر أيّام السنة، في عيد يسمّى على اسم آلة موسيقيّة قديمة اسمها {بغومتوپف} Brummtopf، يُقرع عليها في الأحياء السكنيّة، أمّا في جنوب ألمانيا وفي النمسا وسويسرا وهولاندا فيحتفل الناس بإنشاد مزامير تسّمى أغاني القدّيس مارتن Martinisingen. وفي الپرتغال يحتف الناس بشعائر مماثلة في عيد يسمّى {خبز لله} Pão por Deus، والعيد قديم تعتبره المسيحيّة عيداً وثنيّاً وحرّمته الكاثوليكيّة في القرن 15. لكن، بعد زلزال دمّر لشبونة سنة 1755 تشرّد أهل المدينة في القرى المجاورة يطلبون الخبز، فأعاد الناس الاحتفال بهذا العيد كلّ عام لإعداد {كعك الروح} bolo de alma وتوزيعه إلى الفقراء والناس جميعاً. ويطلبه الناس من البيوت تذكيراً بمأساة زلزال لشبونة.

في الدول الاسكندنافية يحتفل الناس قبل عيد الفصح تماماً بليلة تسمّى ليلة {حجّة الفصح} påskkärring مخصّصة لردّ الاعتبار للنساء اللاتي عُذّبن وأُحرقن في القرن 17، بزعم أنّهنّ ساحرات. فيرتدي الأطفال أزياء الساحرات أو أزياء العجوزات (الحجّات) ويدورن على البيوت يقدّمون التحيّات اللّطيفة ويحصلون في مقابلها على الحلويّات. وفي إثيوپيا يحتفل الناس في يوم 19 آب أغسطس بعيد {بُهي} ቡሄ حيث تحتفل الكنيسة الشرقية الإثيوپيّة بيوم تجلّي المسيح على جبل طابور، بشعائر تتقاطع مع عيد السيّدة الذي يحتفل به مسيحيّو سوريا في غير موعد. حيث يتجمّع الناس لإشعال النار على قمم الجبال، ثمّ يتبادلون خبزاً خاصّاً يُعتبر طعاماً مباركاً في هذه الليلة، ويأكل الناس هذا الخبز طمعاً بسنة خير تالية.

عموماً، عيد القرع أو قرقيعان العربيّ احتفاليّة تعود جذورا قديماً إلى الاحتفال بالحصيدة، وأساساً كانت شعائره تقوم في آخر يوم حصاد. وكانت القرقعة قديماً تحدث على ثمار القرع الجافّة، اليقطين، أحد أهم رموز الهالوّين حتّى اليوم، ولربّما هذا سبب تسمية اليقطين بالقرع. بعض مناطق الخليج العربيّة لم تزل تحتفل بهذا العيد بشعائر تشمل على لبس أقنعة كبيرة مخيفة. أمّا في بقية العالم، فلم تزل النسخة الغربيّة من هذا العيد تنتشر باسم الهالوّين، مع التعديلات الطقسية الدينية التي أضافتها معتقدات الكلت وورثتهم من الكلت المسيحيّين.
وبالمجمل يبق عيد قرقيعان من أجمل شعائر الفرح العربية، وجزء مهمّ من حياة كلّ طفل خليجي عربي.
اترك تعليقًا