, , , , , ,

حكاية الخلافة العربية بموضوعية وباختصار

الإعلانات

من وجهي نظري، تنقسم الخلافة الإسلاميّة العربيّة إلى ثلاث دول أولى، هي: الأمويّة ثمّ العبّاسيّة والفاطميّة.

والدولة الأموية هي دولة لعرب ثقيف، وهم بعض عرب الحجاز وأهل مدينة الطائف. وثقيف من قيس عيلان، ويقال لهم كذلك مُضر السوداء، تمييزاً عن مُضر الحمراء بنو إلياس. ويشكّلون مع ربيعة كلّ العرب العدنانية، لكنّ ربيعة ليست من القيسيّين. وعلى الرغم من انتماء البيت الأموي الكناني إلى مُضر الحمراء، لكنّ فتنة المسلمين الأولى على إثر اغتيال عثمان بن عفّان؛ دفعت الأمويّين لنبذ بني جلدتهم مُضر الحمراء وترك مواطن نفوذهم في الحجاز، والاعتماد على مُضر السوداء والانتقال بمركز الدولة شمالاً إلى دمشق.

تنقسم فترة الحكم الأموي إلى مملكتين:

  • الأولى هي مملكة السفيانيّين أو بنو سفيان من 661 إلى 684، وهي طبقة الضبّاط التي تعود في أنسابها إلى سَراة الطائف أي جبال السروات. وهي الجبال التي تفصل ما بين اليمن والحجاز.
  • الثانية هي مملكة المروانيّين من سلالة مروان بن الحكم من 684 إلى 750. ونالت اسمها هذا بسبب تولية مروان آهل بيته على قيادات الجيش والإقطاعات الزراعية الكبيرة، فزال نفوذ السفيانيّين.

بدأت فترة السفيانيّين مع معاوية بن أبي سفيان، الذي أسّس للخلافة الإسلامية في دمشق عقب الحرب الأهلية الإسلامية الأولى (656-661)، وأنشأ دولة شديدة المركزية تخالف سياسة السابقين من حكّام الدولة الإسلامية. ويقول المؤرّخون في الفترة السفيانية بأنّها تميّزت بحكم علماني نوعاً ما، لم يربط المواطنة بالإسلام ولا الإمارة بالروحانية، كما أنّه لم يغيّر من البنى الإدارية للدول التي حكمها، فبقيت الهياكل الإدارية والبيروقراطية الساسانية والبيزنطية كما هي دون تغيير. كما حافظت الدولة على اللّغتين الإغريقية والپهلوية لغات رسمية للدولة واستعملت النقود والنظام المالي البيزنطي. وهو ما يدفع بعض المؤرّخين المسلمين لنفي اعتبار الدولة الأموية خلافة إسلامية، سيراً على نهج العبّاسيّين. وتذهب بعض الآراء من المؤرّخين غير المسلمين إلى اعتبار المملكة السفيانيّة جزء متمرّد من الإمبراطورية البيزنطية.

أما فترة المروانيّين فتميّزت بالتعريب، بواسطة حصر المناصب الإدارية والقياديّة جميعاً بالعرب، وبواسطة فرض العربيّة لغة رسمية وحيدة للبلاد؛ سادت التعليم والدبلوماسية، بالإضافة إلى إنشاء النظام المالي الإسلامي المستقل عن البيزنطي. وكذلك بواسطة تحويل المراكز الإدارية والاقتصادية الإقليمية إلى مدن عربيّة خالصة، كمدن البصرة والفسطاط ومرو وسيستان وبلخ وحيرات (هرات) في خراسان. وهي مدن كانت في الأساس قواعد عسكرية أنشأها العرب زمن الفتوحات أو كانت قواعد عسكرية استعمل عليها الساسان والأشكان والسلوقيّين قبلهم فِرقاً عربيّة، أو كانت من المدن التي نشأت بعد عمليّات التهجير الواسعة التي طالت العديد من القبائل العربية في بداية العهد الساساني. ولم تقتصر الفترة المروانيّة على استبدال السفيانيّين بالمروانيّين على قيادات الجيش والسلطة، بل أضافت كذلك سلطات واسعة للكلبيّين اليمانية الذين نشروا تقاليدهم في البلاد.

في الواقع، بدأت الفترة المروانية بحرب أهلية إسلامية ثانية. إذ وصل إلى الخلافة سنة 684 الشاب الأموي معاوية الثاني (معاوية بن يزيد) وهو بعمر 22، وكان معاوية الثاني من معارضي الملكية الوراثية وسعى إلى إعادة الخلافة إلى الشورى الانتخابية ولو خرجت من البيت الأموي، فاغتاله أهله فور تخلّيه عن الخلافة؛ ثمّ اغتالوا سريعاً خليفته، فأعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة في مكّة، وانقسم الأمويّون أنفسهم بين ابن الزبير وأنفسهم. وانقسمت العرب كذلك؛ إذ مال القيسيّون إلى ابن الزبير بينما انتصر اليمانية الكلبيّين للبيت الأمويّ بقيادة حسان بن مالك الكلبي.

آنذاك وفي الحرب الفاصلة بعد مؤتمر الجابية (في بيت الغساسنة)، عبّأ مروان أنصاره من قبائل اليمانية في الشام من بني كلب وسائر قبائل قضاعة وغسّان وقبائل السكاسك والسكون من كندة وجذام وبنو عاملة. وهؤلاء صاروا هم قادة وولاة البيت الأموي بعد حرب 684، التي انهزم فيها القيسيّون وبنو عامر وبنو سليم وغطفان والنميريّون، وهؤلاء من همّشهم الأمويّون ثمّ استقوى بهم العبّاسيّون.

وتشير تفاصيل التاريخ إلى أنّ مروان بن الحكم كان مع أهله من المقيمين في المدينة المنوّرة وليس في دمشق، فمروان كان والي المدينة. وطرده عنها عبد الله بن الزبير. وأهله هؤلاء هم من عيّنهم مروان على قيادات أركان الجيش والدولة. وفي الفترة المروانية تميّزت الدولة الأموية في عيون مواطنيها كدولة إسلامية لكثرة الحروب التي خاضتها مع الدولة البيزنطية، وهي دولة مسيحية اعتبرت محاولات الغزو الأموي حرباً إسلامية على المسيحية. ومن هنا نرى أنّ القوى العالمية بدأت برؤية الدولة الأموية كدولة دينية بعد سنة 684 لا قبلها، وبسبب سياسيات مروان بن الحكم وأهله.

خريطة الخلافة الأموية سنة 715
خريطة الخلافة الأموية سنة 715

في نهاية فترة المملكة المروانية وقعت حرب أهلية عربية يمكن أن نسمّيها بالحرب الأهلية الإسلامية الثالثة؛ واندلعت عقب وفاة هشام بن عبد الملك مباشرة، وامتدّت على سنتي 745-746، وهي الحرب التي تقاتل فيها القيسيّون مع الكلبيّين (اليمانيّين). وشملت ساحة الحرب آنذاك مجمل المشرق والعراق وخراسان؛ وهو القسم العربي آنذاك من تركستان… وبنتيجة هذه الحرب اتّجه الموالي إلى دعم الثورة العبّاسية، والموالي هم المستعربون ومن لا قبائل لهم. أمّا أساس الحرب فيعود إلى اتّكال البيت المرواني على القبائل الكلبية (اليمانية) على حساب القبائل القيسية؛ التي شعرت بالمظلميّة ورأت نفسها مهمّشة في دولة عظمى، هي من صنعتها من الأساس.

والموالي بدعمهم الثورة العبّاسية آنذاك دعموا الجانب القيسيّ ضدّ الجانب الكلبي الذي يدعمه البيت الملكي المرواني الأموي. إذ أنّ أغلب المدن العربية في خراسان كانت آنذاك قيسية. أهمّها كما أسلفت المدن التي أسّسها الأمويّون: مرو وسيستان وحيرات (هرات). فنشأت الحركة الراوندية التي جنّدت موالي خراسان إلى صفّ الحركة الهاشمية. والحركة الهاشمية هي الحركة التي قادها عرب خراسان القيسية لإسقاط شرعية الحكم الأموي للدولة الإسلامية. وانتهت بتأسيس الخلافة العبّاسية في مدينة الهاشمية بالقرب من الكوفة وبانتهاء المملكة الأموية في الشرق.

تحالف الراوندية مع الأسرة العبّاسية ما لبث أن انتهى هو الآخر سنة 758 باندلاع الحرب الهاشمية-الرواندية؛ التي أفضت إلى خروج بني العبّاس من الكوفة وتأسيس بغداد في أرض مضرية قيسية، على الرغم من انتصار الأسرة العبّاسية وتمكّنها من القضاء على نفوذ الموالي الراوندية. لكنّ انتشار منازل الراوندية في الكوفة والهاشمية ومن حولها أقلق العبّاسيين فنقلوا عاصمة الخلافة.

لتوطيد حكمها قامت الأسرة العبّاسية بتهميش القبائل التي انتصرت سابقاً للأسرة المروانية الأموية، وهي قبائل كلاب وقضاعة وحوران (الغساسنة) ونجد وجذام وبنو عاملة، في المقابل منحت الأسرة العبّاسية نفوذاً واسعاً للقبائل القيسية ومنحتها ديوان الجند. لكن، ومنذ تولّي عبد الله المأمون للخلافة العبّاسية سنة 814 بدأت ثقة البيت العباسي تضعف بالقبائل القيسية، فاستبدل ضبّاط جيوشه بقادة أتراك من تركستان؛ في عادة استمرّ عليها من بعده المعتصم بالله وهارون الواثق بالله.

بعد وفاة هارون الواثق بالله سنة 847 استمكن الأتراك من السلطة في العبّاسية، وانتهت بذلك الدولة العبّاسية الأولى. وصار الوزراء الأتراك يعيّنون ويخلعون الخليفة العبّاسي، ثمّ أزالوا أيّ نفوذ للعرب القيسية من ديوان الجند فأفقروا العرب من غير أهل الزراعة. وهم عرب البوادي الذين كانوا يعتمدون باقتصادهم على الخدمة في الجيش العبّاسي. وبافتقار بدو العرب إلى مورد مالي تمرّدوا على الدولة العبّاسية سنة 842 في حرب استمرّت ستّ سنوات. وكانت العرب المتمرّدة آنذاك هي بنو نمير وبنو سليم وفزارة وبني مرّة وكلاب العامرية. وهي ذاتها تقريباً القبائل التي انتصرت سابقاً لعبد الله بن الزبير ثم للبيت العبّاسي. إلا كلاب العامرية؛ التي كانت درع البيت المرواني الأموي.

انهزم تمرد هذه القبائل بكلّ حال سنة 844 وصار الترك في أعرافهم أعداء لا يحالَفون، وكرهوا كلّ من يشتغل بالزراعة كذلك فصار الفلّاحون من العرب أعداء لهم، لأنّ حملة الجيش العبّاسي-التركي على ديارهم كانت أساساً بسبب شكوى ضدّهم من المزارعين التميميّة رفعنها للخليفة العبّاسي الواثق بالله.

هكذا نرى أنّ:

  • الدولة الإسلامية الأولى كانت لمُضر الحمراء. وانتهت سنة 661.
  • الدولة الأموية السفيانية كانت لمُضر السوداء. وانتهت سنة 684.
  • الدولة الأموية المروانية كانت للكلبيّين اليمانيّة. وانتهت سنة 750.
  • الدولة العبّاسية الأولى كانت للقيسيّين الخُرسانيّة. وانتهت سنة 847.
  • الدولة العبّاسية الثانية كانت للترك الصُغديّة. وانتهت سنة 946.

المفارقة هنا، أنّ سنة 946 التي انتهت فيها الدولة التركية-العربية العبّاسية تحت احتلال الدولة الفارسيّة البويهيّة، هي ذاتها السنة التي بُدئ فيها ببناء مدينة المنصوريّة في تونس لتكون عاصمة للدولة العربيّة الفاطميّة. ولو لا وجود الدولة الفاطميّة آنذاك لما بقيت دولة تتحدّث العربيّة في التاريخ القديم. وبقيت الفارسيّة لغة للدول الإسلاميّة الشرقية من بعدها؛ حتّى بعد استعادة الأتراك للسلطة وللخلافة العبّاسيّة سنة 1055. ولم تتراجع سيادة اللّغة الفارسيّة حتّى بوصول الجيوش المغولية إلى المشرق سنة 1258. 

من بعدها انتقلت الخلافة العبّاسيّة إلى القاهرة لتكون في حضن سلطنة المماليك، الذين ورثوا نظامها عن السلطنة الأيّوبية التي ورثت نظامها عن الخلافة الفاطميّة، التي اعتمدت على اللّغة العربية لغة للعلم وللجيش وللدولة. وبهذا صارت الخلافة العبّاسية-المصرية دولة على ميراث النظام السياسي الذي أسّسته الخلافة الفاطميّة.

بكلّ حال

بقيت الخلافة الإسلاميّة في يد العرب المشرقيّين من سنة 632 حتى سنة 847 = 215 سنة فقط منها 186 ملكيّة.
وبقيت في يد الفاطميّين لمدّة 262 سنة كلّها ملكية.
ومجموع هاتين الفترتين هو 477 سنة من الحياة الإمبراطورية العربيّة على المستوى السياسي.

وبالخلاصة:

بقيت اللغة الفارسية هي لغة الدول الإسلامية الشرقية من سيطرة البوهيّين على بغداد سنة 946 إلى أن غيّرتها الدولة العثمانية إلى التركية سنة 1487. أمّا الدول الإسلامية الغربية فقد حافظت على اللغة العربية واحتفت بها، من نشوء إمارة قرطبة الأموية سنة 756، وكذلك من نشوء الدولة الفاطمية سنة 909. لو وصل حكم الدولة الشرقية إلى شمال أفريقيا في القرن العاشر، لكانت الفارسية اليوم هي لغة الإسلام.

مقال وقراءة في كتاب حول عروبة الثورة العبّاسية هنا go.monis.net/KZCCKl

تدوينة في كلمة العلمانية هنا go.monis.net/EG5pxq

الإعلان
الإعلانات

صورة أفاتار مؤنس بخاري
الإعلانات

تعليقات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

%d مدونون معجبون بهذه: