قسّمت الشركات الاحتكارية العالم إلى مناطق نفوذ بناء على الامتيازات التي كانت تنالها من حكوماتها، وبالتفاوض فيما بينها. وكانت الغاية الأساسية من هذه التقسيمات هي تحقيق منطق الاحتكار التجاري الذي كان السبب وراء تأسيس هذه الشركات من الأساس.

وتظهر على هذه الخارطة ألوان تميّز المناطق الاحتكارية بناء على الحدود المعاصرة الناتجة بمعظمها عن نشاط الشركات الاحتكارية غرب الأوروپية ما بين القرنين 16 و20. واستعملت تدرّجات للألوان تُظهر مدى التوسّع الزمني في تعميم المصطلح بالإضافة إلى كثافه الاستعمال جغرافياً. وعُرفت هذه المناطق بالأسماء التالية:
الهند الغربية، وهو اصطلاح بدأ مع تسمية شركة كولمبوس لكوبا وجزر الكاريبي بالهند، التسمية التي تحوّلت إلى الهند الغربية حين أدركت أوروپا أنّ كوبا والكاريبي ليسوا من الهند ولا ينتمين لقارة آسيا من الأساس. مع الزمن توسّع مصطلح الهند الغربية تجارياً ليشمل الإمبراطورية المكسيكية (إسپانيا الجديدة)، ثمّ وسّعته فرنسا ليشمل كلّ أراضيها من الغرب الأدنى شمالاً حتى مصب المسيسپي جنوباً، ثمّ استعملته الشركات البريطانية ليشمل الغرب الأوسط ومناطق النفوذ الپرتغالي في أميركا الجنوبية.

الهند الشرقية، وهو اصطلاح بدأ مع تسمية الپرتغال للجزر الفيليپين بالهند الشرقية ثمّ توسّع سريعاً ليشمل كلّ الجزر ما بين أستراليا والصين، ثمّ وسّعته شركة الهند الشرقية ليشمل كلّ الهند بدأً من البنغال.

أفريقيا اسم توسّع من تسمية لبلاد المغرب العربي ليشمل بلاد السودان المغربي، قبل أن تستولي عليه فرنسا، ثمّ نشأ مصطلح السودان الإنگليزي مع التوسّع البريطاني شمالاً من نيجيريا، وبقيت من تركته اليوم دولة السودان. وحين استولت فرنسا على مدغشقر أسّست فيها شركة مالگاش التي أعادت السيطرة على كلّ الجزر العربية في المنطقة ما بين الهند ومدغشقر، واتّخذت من الجزر القمر مقرّاً لمكتبها الرئيسي.

الشرق الأدنى، تسمية كثيراً ما استعملتها الشركات الاحتكارية بصيغة “تركيا” إشارة إلى السلطنة العثمانية، لذا فقد شملت نظرياً كلّ الأراضي التي حكمتها العثمانية من القرن 16 وحتّى زوالها.

الشرق الأوسط، بعد تأسيس بريطانيا للراج البريطاني في الهند أطلقت على الدول الواقعة على حدودها الشرقية تسمية الشرق الأوسط، ثمّ توسّع هذا المصطلح ليشمل كلّ الدول التي كانت لم تخضع لسلطة إمبراطورية بعد ما بين الهند وصين قينگ على الشرق وحدود العثمانية على الغرب. وفي سنة 1900 اقترح الجنرال البريطاني توماس گوردون إنشاء عملة موحدة وسوقاً مشتركة لهذه المنطقة، لكن تدخّل روسيا ورفضها ثمّ احتلالها تركستان؛ فيم عُرف تاريخياً باسم أحداث “اللّعبة الكبرى”، حال دون تحقيق المشروع. ثمّ انزاح مصطلح الشرق الأوسط ليعبّر عن دول الشرق الأدنى ويستبدل المصطلح سنة 1946.

الشرق الأقصى، وهو اصطلاح تأسّس مع بداية علاقات الشركات الاحتكارية مع اليابان، إذ توسّعت أنشطة الشركات الاستعمارية في الصين لتتواصل مع اليابان. ولمّا كانت الصين آنذاك هي إمبراطورية قينگ فقد شمل مصطلح الشرق الأقصى التجاري كلّ أراضي إمبراطوريّتي قينگ واليابان، بالإضافة إلى كاشغر وقيرغيزستان من تركستان.

والشركات الاحتكارية تسمّى اصطلاحاً “الشركات ذات الميثاق” بسبب حصولها على امتيازات احتكارية من قِبل الحكومات الملكية الأوروپية الغربية، الجمهورية لاحقاً. وبموجب هذه الامتيازات الاحتكارية تمكّنت هذه الشركات من السيطرة على خطوط التجارة غرب الأوروپية الدولية، ومن ثمّ على خطوط التجارة الدولية كلّها. إذ تمكّنت هذه الشركات من هزيمة الشركات المنافسة؛ العثمانية والعُمانية والمُغالية والصينية.
بدأت هذه الشركات بالظهور مع دخول بريطانيا على خطّ النفوذ الپرتغالي حول العالم كمتعهّد تنفيذي عقب حرب الخلافة الپرتغالية سنوات 1580-1583. هذا التدخّل أدّى إلى انتقال الامتيازات الپرتغالية الإستعمارية بكاملها إلى بريطانيا عقب الحرب الإسپانية-الپرتغالية مع بين 1735-1777، وتدخّل إنگلترا لحماية استقلال الپرتغال. أخيراً ومع سقوط الپرتغال تماماً تحت الضغط البوناپرتي مطلع القرن 19 انتقلت أملاكها بالكامل إلى إنگلترا لتتحوّل إلى أعظم قوّة احتكارية حول العالم.
تأسّست أوّل شركة احتكارية سنة 1585 عقب حرب الخلافة الپرتغالية تماماً. وكانت شركة إنگليزية هدفت إلى إدارة الامتيازات الپرتغالية في أفريقيا كطرف ثالث، ثمّ توالى تأسيس الشركات الاحتكارية الإنگليزية. ثمّ انتشر مفهوم هذه الشركات “الغير حكومية” لتنشأ شركات مماثلة عبر القرون اللاحقة في كلّ من: أستراليا وهولاندا وفرنسا وألمانيا والپرتغال وروسيا واسكوتلاندا وإسپانيا وإيطاليا والدول الاسكندنافية. وكان مفهوم الشركات الاحتكارية قد عرف رواجه الأمثل في فترة نشوء التبادل التجارية ما بين العالمين القديم والجديد، حين بدأت هذه الشركات في تشكيل قوّاتها العسكرية الخاصّة.
أهمّ ميراث باق إلى أيّامنا هو شركة الهند الشرقية، التي كانت قد تأسّست سنة 1600 بتآلف من عدّة امتيازات أوروپية، تنافست فيما بينها حتّى خلُصت هذه الشركة أخيراً إلى إنگلترا. والهند الشرقية كان مصطلحاً أطلقته البحرية الپرتغالية على مجموعة الجزر الموجودة ما بين أستراليا والصين، وهي مساحة هائلة نجد فيها الیوم دولاً كبيرة كإندونيسيا وماليزيا والفيليپين وتايلاند.
سنة 1765 صار لشركة الهند الشرقية EIC دولة حين استحوذت على إدارة البنغال بموجب اتّفاقية “الله آباد”. وكانت الاتّفاقية بالأساس تفويضاً لإدارة البنغال باسم سلطنة المُغال الإسلامية. آنذاك كانت سلطنة المُغال الثالثة على مستوى الناتج المحلي الإجمالي العالمي… لاحقاً تمكّنت الشركة من إزلة سلطان المُغال واحتلال كلّ دول شبه القارّة الهندية، ما أدّى إلى تأسيس الراج البريطاني.
وكانت شركة الهند الشرقية قد حقّقت مداخيل هائلة من تجارة العبيد ما بين 1621 و1757، ثمّ تجارة الأفيون منذ 1773، ثمّ القهوة ثمّ الشاي وأطلقت شاي Earl Grey سنة 1824، ثمّ تحوّلت إلى صناعة وتجارة الكولا سنة 1892.

سنة 1873 قامت شركة الهند الشرقية بفكّ ارتباطها بالحكومة البريطانية عقب صدور قانون استرداد أرباح أسهم الهند الشرقية. هذا القانون أدّى إلى إعلان الشركة إفلاسها على المستوى الرسمي واستولت الحكومة البريطانية على جميع أملاكها في بريطانيا والهند والهند الشرقية، لا سيّما شركات إنتاج الطاقة والخطوط الحديدية الهندية والفصائل العسكرية.
وكانت بريطانيا قد استخدمت فصائل شركة EIC خلال حربها على ثوّار الاستقلال الأميركي ما بين 1775 و1783، ما أدّى إلى نشوء علاقات ما بين القوى المحلّية الأميركية والشركة. تطوّرت هذه العلاقات لاحقاً إلى شبكة استثمارات عميقة داخل الاقتصاد الأميركي. وعقب الحرب البريطانية على شركة الهند الشرقية وإعدام اسمها سنة 1873، انتقلت رؤوس أموالها بالكامل إلى الولايات المتحدة الأميركية وتحوّلت إلى دعم الحكومة الأميركية لمنافسة الإمبراطورية البريطانية في كلّ مكان.
وبهذا التحوّل حصدت شركة الهند الشرقية ميراث شركات الهند الغربية كذلك، ونالت دعم الشركات الاحتكارية الفرنسية والهولاندية. وبرأيي الشخصي؛ تحوّل هذا التحالف إلى تطوّرات توابع الحربين العالميّات الأولى والثانية ونشوء الإمبراطورية الأميركية، مع تقهقر الإمبراطورية البريطانية.
اترك تعليقًا