دايماً منحكي بكلامنا عبارة شاي خمير، ومنحب نشرب شاي خمير، ما إننا ما منشرب شاي الخمير حقيقةً ومنشرب الشاي الأسود العادي… طيب شو سر وصفنا للشاي الطيب وشاي الكيف باسم شاي خمير؟ أكيد أجدادنا عرفو صنف مميّز جدّاً من الشاي اسمو شاي الخمير حتّى حبّو هالمصطلح وصارو يستعملوه على الشاي الطيب واللّذيذ.
حقدّملك إجابة على هالتساؤل مع كمشة معلومات تخلّي المعلومة كاملة وراكزة، من البداية لحتى توصل لكاسك.

بتبدأ الحكاية سنة 68 ميلادي مع تأسيس مملكة إڤُنان ហ៊្វូណន (فُنان) جنوب شرق آسيا، وأراضي هالمملكة بتشكّل اليوم عدّة دول معاصرة هي: كمبوديا وميانمار وتايلاند وڤييتنام. وكان لهالمملكة علاقات متميّزة جدّاً مع التجّار العرب وخاصة التجّار الحضارمة، اللي كانت سفنهم رايحة جاية على موانئ إڤُنان عم تبيعها منتجات عربية أهمّها النبيذ والعطور والمنتجات الزجاجية، وعم تستورد منتجات فُنانية منها الألبسة والبزورات. هالدولة عاشت لوقت طويل استمر ست قرون وعلاقاتها الاقتصادية كانت واسعة جدّاً لدرجة إنّو الآثاريّين لقو فيها عملات من مختلف دول العالم، منها عملات عراقية بابلية وأشكانية وساسانية وسلوقية ومصرية هيلينية ورومانية.
المهم، شعب دولة إڤُنان اعتنق ومارس 3 أديان بشكل رئيسي، هي الهندوسية والبوذية والخميرية المحلّيّة، والديانة الخميرية كانت ديانة أرواحية بيمارس أهلها شعائر إحيائية، وهي من الديانات اللي آمنت بوحدة الروح وبوجود جزء من الروح الأم بكل شيء، حي أو غير حي. يعني كلشي إلو روح حتى الحجر. وأتباع هالديانة اعتقدو إنّو المرض هو مرض الروح مش مرض الجسد، وإنّما العوارض اللي منشوفها على الجسم هي أعراض تحذيرية وتنبيهية عم تخبرنا فيها الروح إنها تعبانة، وهالناس آمنو إنّو علاج الأمراض والوقاية منها هو بالبحث عن الأرواح المنيحة وإضافتها للجسم، متل مثلاً شرب الزهورات لأن فيها روح الزهورات المنيحة، اللي حتحسّن حالة الروح داخل الجسم.
وأثناء البحث بين النباتات للعثور على زهرات الروح المنيحة، وصلو لزهرة الكاميليا ذات الآثار الرائعة على المظهر، وخاصة الشعر والبشرة، وصار مشروب الكاميليا من طقوس الصلاة والتأمّل بالمعابد الخميرية. وصار زيت الكاميليا من أهمّ صادرات البلد.
بآخر حياة مملكة إڤُنان سيطر عليها الهندوس وغيّرو اسمها سنة 550 لمملكة ژينلا ចេនឡា ونشأت دولة دينية-عسكرية شديدة الاستبداد، قمعت الخمير فنزح جزء متديّن منهم ولجأ لمنطقة شمالية داخل حدود الصين، جنوب غرب محافظة يونَن 云南، وأخدو معهم هاللاجئين نبتة زهرة الكاميليا وزرعوها ببلد اللّجوء. وبهالطريقة طلع نوع جديد من الكاميليا هو Camellia sinensis الكاميليا الصينية اللي صرنا نعرفها اليوم باسم نبتة الشاي.
انتشر مشروب الخمير المفضّل بالصين وصارت الناس تشرب مغلي زهرة الكاميليا وكذلك تغلي ورق النبتة، وبشمال الصين كانت الناس تتداول كلمة چاي بمعنى زهورات منكّهة بالبزور، يعني فيك تقول شاي مبهّر… ولمّا وصل مشروب الكاميليا لشمال الصين صارت الناس تقول عليه خمير چاي أو چاي الخمير، بمعنى الشاي المبهّر تبع الخمير… اللي نزحو عن جنوب شرق آسيا متل ما أسلفت.

سنة 802 انتصروا الخمير على المستعمر الهندي واستعادوا السلطة وغيّرو اسم البلد من ژينلا إلى إمبراطورية الخمير ចក្រភពខ្មែរ أو باسمها المحلّي إمبراطورية أنگكوري ចក្រភពអង្គរ، وازدهر بالبلد مذهب عن البوذية اسمو مَهايانه، اللي منقدر نقول عليه إنّو هو صوفية البوذية، أحد أروع المدارس الفكرية بالحضارة الإنسانية. وانتشر شرب مشروب الكاميليا بين أتباع هالمذهب حتّى أصاب هالناس الغرام بالكاميليا وصارت هي رمز المذهب ككل، ومنلاقيها على كل منمنمات المَهايانه اللي بتصوّر بوذا.
بسبب اختلاف طبيعة المناخ بين جنوب إمبراطورية الخمير، الموطن الأصلي للكاميليا، ومنطقة يونن الصينية، تغيّرت نبتة الكاميليا وتغيّر معها بالتالي نكهة مشروب الكاميليا الصينية: شاي الخمير، ورجعت هالنبتة انتشرت بشكل معاكس من الصين لإمبراطورية الخمير وصارت الناس تستورد الشاي مجفّف من يونن الصينية. هاد الشاي نفسه هو اللي انتشر لاحقاً بالعالم مع التجّار الهولاندية.
سنة 1431 سقطت إمبراطورية الخمير، وسيطر البوذيّين على السلطة وغيّرو اسم البلد لمملكة كمبوديا ក្រុងកម្ពុជាធិបតី، لكن أدخلو البلد بحالة عزلة مطلقة وقّفت تصدير شاي الخمير منها، وتحوّل التصدير بالكامل للصين، بالإضافة لمنطقة الأخوات السبع الشرقية التابعة اليوم للهند.
أخيراً، سنة 1863 سقطت كمبوديا تحت الحماية الفرنسية وصار اسمها محميّة كمبوديا Protectorat du Cambodge ومنع الفرنسيين زراعة الشاي “الكاميليا” تماماً بالبلد، وأفقروها، وحوّلو اهتمام الزراعات بالبد للتركيز على الأرز وأنواع الفليفلة لتصديرها لأوروپا وللمحميّات البريطانية القريبة.
لكن، مع ذلك، ومع كلشي صار بكمبوديا، بلاد الخمير، بقيت بيناتنا تسمية شاي الخمير (خمير چاي) اللي انتقت من الصين لتركستان الشرقية لإمارة بخارى (تركستان الغربية) لإيران للعراق ومنه لسوريا، وبقيت التسمية المحبّبة للشاي الطيب والراكز اللي بيرفع الكيف هي شاي الخمير.
بعد كل الأخد والعطى، كيف منعمل شاي الخمير؟
الطريقة التقليدية والقديمة لتحضير شاي الخمير هي التخمير. ما منغلي الشاي، إنّما منصب المي سخنة على ورق الشاي ومنتركه منقوع لفترة طويلة جدّاً أقلها ساعة. وما مشكلة إذا برد الشاي، المهم النقع. لهالسبب اخترعت الناس بوسط آسيا جهاز السماور، بشكل يكون في مي سخنة باستمرار تحت، بينما المي اللي فيها الشاي بتبقى فوق ما بتسخن. ولما بدنا نشرب شاي خمير، منصب شوي بالكاسة من الخمير، ومنصب عليه مي عم تغلي من القسم التحتاني من السماوي، وهيك منشرب كاسة شاي سخنة بدون ما ينضرب تخمير ورق الشاي.

شعائر تقديم الشاي على الطريقة البخاريّة
في أوزبكستان وتركستان عموماً، يُعتبر الشاي أساس الجلسات العائليّة والسهرات واجتماعات العمل… لا يجتمع شخصين أو أكثر بلا أكواب شاي. وهذه في الصورة جلسة شاي لطيفة مع چِلِم؛ أي أرگيلة (شيشة).

اسم مشروب الشاي في أوزبكستان هو {چاي} والكلمة مستوردة من لغة شمال الصين القديمة، وفيها تعني {نُقوع} كما نقول في الشاميّة {زهورات}… ثمّ، حين وصل مشروب الكاميليا مع النازحين من شعب الخمير إلى الصين سمّته الناس {خمير چاي} أي مشروب نقوع شعب الخمير. انتقلت الكلمة ذاتها إلى أوزبكستان ثمّ اختصرتها الناس إلى چاي فقط، فصارت كلمة چاي تعبّر عن مشروب شاي الكاميليا فقط، ولا تشمل في معانيها كل مشروبات النُقوعات كما هي في اللّغة الصينية.
من آداب تقديم الشاي في مدينة بخارا وأغلب أوزبكستان:
يقدّم الشاي في فنجان خاص يسمّى پيالا piala وهو اسم الفنجانين في مقدّمة الصورة.
- * يصل طبق الصينية والفناجين مقلوبة عليه، بطنها إلى الداخل، يَجِبُ ألاّ تكون مكشوفة كي لا يقع فيها الغبار، وتُكشف أمام الضيف. وحين تُقلب الفناجين على طبق الصينية يكون حرف الفنجان على حرف الصينية، وغير منطبق تماماً على قعر الصينية.
- * يصل الشاي في إبريق خزفي، محضّر سلفاً ومصفّى، ولا يحضّر أمام الضيف.
- * يصبّ الشاي في نصف الفنجان فقط، ويقدّم للضيف باليد اليسرى من تحته احتراماً، بينما يضع المضيف يده اليمنى على صدره (إشارة للقلب). وفي نصف الفنجان، كي لا يسخن النصف الثاني، فيقدر الضيف على حمل الفنجان.
- * تقليديا: كلّما زاد تقدير الضيف، قلّ الشاي الذي يُسكب في الفنجان.
- * يشرب الضيف الشاي في جرعة أو جرعتين، فيعود المضيف لصبّ الشاي في فنجانه من جديد.
- * حين يرغب الضيف بالتوقّف عن تجديد فنجان الشاي، يترك الفنجان ملآن.
- * تصاحب فناجين الشاي دوماً مكسّرات حلوة ومالحة، والحلوة أساس ويجب أن تقدّم مع الشاي، إذ ربّما أحبّ الضيف شرب الشاي محلّى.
- * من آداب الشاي البخارية أن لا يحلّى الشاي نفسه، إنّما يضع الشارب قطعة حلوة في فمه ويشرب معها الشاي ليغسل حلاوتها في فمه.
- * تقدمّ الفواكه الباردة مع الشاي، للمساعدة على تبريد الفم في حال كان الشاي شديد السخونة، وللتنكيه ما بين الفناجين.
- * لا تقدّم الحلويات مع الشاي.
- * لا يُرفع الشاي قبل نيّة الضيف على الرحيل والاستئذان لذلك. ويجدّد إبريق الشاي طالما الضيف موجود.
- * الشمعة ضرورة وعادة قديمة نسي الناس سببها. لكن، لا تحلو جلسة شاي دون إشعالها. في أيّامنا المعاصرة يستعمل أغلب الأوزبك شمعات معطّرة لتعطير الجلسة.
بتمنى تكون هالحكاية لذيذة متل نكهة الشاي الخمير.