نمرّ في هذه الأيام في ألمانيا بفترة أهم الأعياد المسيحيّة، وغالبية ألمانيا مسيحيّة. ويحزنني أن يجهل الألمان، كأغلب مسيحيي هذا العالم، أنّ ديانتهم عربية. ثمّ ينكرنها في وجهك؛ إن ذكرتها، أنّهم على دين عربي.
للعربي، والمسيحي العربي بالخصوص، أن يفخر أنّ أوّل دولة اعتمدت المسيحية في التاريخ كانت على نهر الفرات. وأنّ أوّل إمبراطور أراد تحويل روما إلى المسيحية فيليپ كان من عشيرة مسيحيّة عربيّة حورانيّة من شهبا ومن نابلس. وللعربيّ أن يفخر أنّ نهر الفرات كان من قدّم المسيحية إلى بيت الإمبراطور قسطنطين، حين كانت أمه وزوجته من الجزيرة.
للعربي أن يفخر أنّ أوّل كنيسة منزلية في العالم كانت في دورا أويروپس على الفرات، وهي اليوم مسروقة آثارها ومحفوظة في جامعة ييل الأميركية. وللعربي أن يفخر أن التغالبة العرب كانوا أول شعوب العالم التي سنّت قوانيناً حكومية استناداً إلى الديانة المسيحية. فجعلوا مقر الكنيسة الأولى في الكوفة ثم انتقلت إلى الرصافة قرب الرقة، التي بقيت محجّاً للمسيحيّين العرب حتى القرون الوسطى.
يجب أن يعرف العالم، أنّه حين اتُخذت الرصافة محجّاً للمسيحيّين العرب ما كان في العالم بعد مسيحيّين غير عرب. وأن العالم المسيحيّ تعلّم دينه هذا من هؤلاء العرب.
لمن لا يصدّق بعد أنّ المسيحية هي ديانة عربية، هذه خارطة صنعتها للكنائس الأقدم في العالم، والتي لم تزل آثارها باقية حتى اليوم. والمنطقة الحمراء هي المهد الأوّل للمسيحيّة.

- باللّون الأحمر الكنائس العربية الأقدم من القرن الثاني.
- باللّون التوتي كنائس القرن الثالث، قبل قسطنطين.
- باللون البنفسجي كنائس القرن الرابع التي بُنيت بأمر قسطنطين.
يمكن تصفّح الخارطة لدقّة أكبر من على الرابط التالي go.monis.net/oldch وأنوّه إلى أنّ المواقع الأثرية في النجف غير محدّدة بعد.
عاقولا، عرش سوريستان، وعاصمة بيت أرمايى، هي نفسها الكوفة في العراق. بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ السريان هم نفسهم الآراميّين الذين هم نفسهم العرب.
محمد سعيد بن الشيخ محمد كاظم بن الشيخ كاتب بن الشيخ راضي الطريحي باحث ومؤرّخ عراقي، رئيس البرلمان الشيعي الهولندي. ولد في مدينة الكوفة سنة 1957.
يقول الأستاذ محمّد سعيد الطريحي في الصفحة 32 من كتابه: {الديارات والأمكنة النصرانية في الكوفة وضواحيها}:
{{قامت مدينة الكوفة الإسلامية على أنقاض مدينة سريانية تدعى عاقولا التي كانت تضم جماعات متفرّقة من النصارى السريان، وتمثّل موضعاً يرتاده أبناء القبائل التابعة للمناذرة، ومحطّاً للقوافل التجارية.
قال الفيروزآبادي: “عاقولى اسم الكوفة في التوراة”، وذكر الطبري “العاقول” على أنّه من مواضع الكوفة. ويؤكّد عموم السريان أنّ الكوفة هي ذاتها عاقولا السريانية. وورد ذكرها في كتبهم كثيراً.
وممّن أشار لها منهم مفريات تكريت مار دنحا الأوّل (649-659) في سيرة مار ماروثا. وأمّا صاحب التاريخ السرياني الصغير الذي عاصر تأسيس الكوفة الإسلامية فينوّه بوضوح إلى أنّ عاقولا هي نفسها الكوفة؛ قال: “إنّ العرب دمّروا “ماحوزا” ونقلوا أبوابها إلى {عاقولا} يقصد بذلك أعمدة الرخام والمباني القديمة التي استفاد منها العرب في بناء جامع الكوفة على عهد زياد بن أبيه.
أمّا معنى عاقولا في السريانية فهي {الشوكيّة}، وتسمية المدينة فيما بعد باسم {الكوفة} قد يكون محرّفاً عن اللفظة السريانية كما يعتقد بذلك السريان أنفسهم ويتّفق معهم جمع من الباحثين. وذكر لنا البطريرك اغناطيوس يعقوب الثالث بأنّ فاء الكوفة في العربية هي في الأصل ڤ V أي كوڤا وأنّها استُعملت كذلك لعدم وجود حرف ڤ في عربية القرن السابع كما في السريانية، وبأنّ التاء المربوطة في لفظة الكوفة ألحقت فيما بعد باعتبار أنّ الكوفة كانت تكتب سابقاً بألف الإطلاق كوفا وكذلك كانت تكتب الحيرة في السريانية حيرتا ومثلها سوريا. قال: وكلّها ألفاظ سريانية بحتة.
ويقول ماسينون بأنّ اسم الكوفة من عاقولا أيضاً لكنّه بمعنى الحلقة أو الدائرة وهو يريد بهذا أن يتّفق مع ما يقرّره اللّغويّون العرب بأنّ من معاني التكوف (التكوّب) الاستدارة، وأنّ الكوفة سمّيت بذلك لاستدارتها وأصلها كوبة.}} انتهى الاقتباس.
الأستاذ محمّد سعيد الطريحي. كتاب: {الديارات والأمكنة النصرانية في الكوفة وضواحيها}

قل لي بعد هذا الكلام أنّ السريان غير عرب، إذا كانوا استفادوا من الدولة الإسلامية بنقل الحيرة إلى عاصمتهم عاقولا، ثمّ خطّوا المدينة الجديدة كما خطّ العبّاسيّون بغداد. دائريّة وثريّة، وما تحوّلوا فعلاً إلى الإسلام قبل القرن العاشر. فكيف لا يكون السريان عرب؟ والسلطة والاقتصاد والصناعة في جزء مهمّ من الدولة العربية الإسلامية في أيديهم لثلاث قرون وهم غير مسلمين!
من الواضح جدّاً أنّ مملكة المناذرة هي من ممالك السريان، والمناذرة عرب وهم جزء من السريان، والجزيرة عرب وهم باقي السريان، والسريان كشعب أصولاً من العرب، بغضّ النظر عن مزيج رعايا الكنيسة السريانيّة، كنيسة العرب.
حتّى وصول المغول إلى العراق في القرن 13 ومن ثمّ تدمير مدن الجزيرة كلّها، كانت لم تزل منطقة النهرين أهمّ مناطق العالم المسيحي، وفيها كانت لم تزل أعرق وأقدم المؤسّسات المسيحيّة في العالم. وستكشف التنقيبات الأثرية في المستقبل أنّ المسيحيّة في الواقع هي ديانة عربية انتشرت في العالم من العراق.
كان للحيرة دور كبير في نشر الديانة المسيحية. سُمي مسيحيو الحيرة بالعباد بعد أن آمنوا بالدين المسيحي.” وتوضح الباحثة حسين “أن الأديرة كثيرة وهي منتشرة في محافظة النجف الأشرف، وقد كشفت التنقيبات وجود كنيسة كبيرة جدًا في ظهر الكوفة، ومن أشهر كنائس النجف : دير الأساقف، و دير ابن مزعوق، ودير الأعور، ودير بيعة المزعوق، ودير أبلج، ودير ابن براق، ودير ابن وضاح (المعروف بمار عبدا معري)، ودير أذر منج المعروف (أذرمانج)، ودير أبي موسى، ودير بني صرينار، ودير بني مرينا، ودير بونا، ودير نوما، ودير الحريق، ودير حنة، المعروف (الأكيراح)، ودير الحرقة، ودير هند الصغرى، ودير الجرعة المعروف (دير عبد المسيح بن بقيلة)، ودير الجماجم، ودير عبد يشوع، ودير العذارى، ودير اللج المعروف(اللجة)، ودير مازفانثون، ودير مارت مريم، ودير محراق، ودير هند الكبرى المعروف (أم عمرو)، ودير ذات الأكيراح، فضلًا عن وجود دير الزرنوق، ودير سرجس، ودير الأسكون.
حيدر حسين الجنابي، النجف مدينة الكنائس والأديرة للمسيحيين قبل 1400 سنة
وفي ما يخص بناء الأديرة والكنائس:
تحولت الحيرة إلى الديانة المسيحية بعد أن كانت وثنية، وانتشرت في ربوعها السريانية، وعلى إثر ذلك انتشرت الأديرة في الحيرة و في ظاهرها، وغالبًا ما كان المسيحيون يتخذون من منطقة ظاهر الحيرة مكانا لهم، لأن الراهب والمتدين المسيحي كانا يختليان في منطقة بعيدة عن السكان للتعبد، ولكون بحر النجف كان يقع في ظاهر مدينة الحيرة، وهو منطقة خالية من السكن، لذا اختار رجال الدين المسيح المعابد والكنائس فيها، فضلًا عن انتشار الكنائس قرب مدينة الكوفة ومنها ((عاقولا)) التي تقع بين الكوفة والحيرة (منطقة مطار النجف الأشرف الدولي ومعامل الإسمنت حالياً) وأنشئت فيها كنائس، فالسريان كانوا يسكنون ((عاقولا))، وبنيت كنيسة هند الصغرى على خندق الكوفة (الذي يعرف بكري سعدة حاليًا)، أما في إحدى المناطق على حافة بحر النجف فكان يقع دير هند الكبرى بين النجف والحيرة قرب قصر الخورنق
حسن عيسى الحكيم، أستاذ التاريخ الأول في جامعة الكوفة
يمكن قراءة كامل المقال الذي اقتبست منه الاقتباسات من موقع بطريركية بابل للكلدان، وعنوانه النجف مدينة الكنائس والأديرة للمسيحيّين.
اترك تعليقًا