إيران, إتيمولوجي, العراق, تاريخ, خرائط

الدعاية الفارسية وسرقة تراث العرب والترك

لربّما لم يعرف العالم لصوص تاريخ أوقح من الفرس والجمهوريّة الإيرانيّة المعاصرة. يزوّرون التاريخ في پروپاگندا شديدة الخبث تسرق حضارات أمم برمّتها، لصناعة تاريخ فارسيّ، ما وُجد قط.

لاحظ منشورات التاريخ اليوم والدعاية الفارسيّة، التي تعتبر كلّ دُول العراق القديمة فارسيّة، ثمّ ترجع في التاريخ لتعتبر كلّ ما سبق الإسلام على أرض إيران المعاصرة فارسيّ، حتّى صارت الناس تظنّ أنّ پارثة القديمة ما هي إلا شكل آخر للفرس المعاصرين. وصار الساسان فرس، والأشكان فرس، وحتّى الأخمينيّون فرس. مع أنّ أوّل دولة فارسيّة في التاريخ هي الدولة البويهية التي عاشت في القرنين 10 و11، بعد نشأة دولة الإسلام بثلاث قرون. 

في هذه الدولة البويهيّة، التي حملت اسم مملكة فارس (نسبة إلى اسم مدينة شيراز العاصمة آنذاك)، صُنعت اللّغة الفارسيّة المعاصرة من دمج لهجة شيراز العربيّة بلهجة جبال البُرُز الپهلويّة مع اللّغة الرسمية للدولة التي ورثها البويهيّون عن الدولة السامانيّة التي أعطت لهم سُلطة. وهذه اللّغة السامانية مستوردة من طخارا.

الدولة الأخمينيّة {خساچه} كانت أكبر وأعظم الإمبراطوريّات في العالم، ولطالما ميّز الأخمينيّون ما بين الپارسي والپارثي، كما نميّز اليوم ما بين العراقي والإيراني، فلماذا تصرّ الپروپاگندا الفارسيّة اليوم على وضع الشعبين في خانة فارسيّة؟ ولماذا نتبعهم نحن العرب؛ فنصرّ على اعتبار تراث الپارثيّين تراث فارسي؟

الپارثيّون ترك، وتقدّمهم المنشورات الأكاديميّة في كلّ لغات العالم بأنّهم ترك. إلا المنشورات العربيّة والفارسيّة التي تعتبرهم من الفرس لا من الترك. ثمّ تزيد التزييف بتسميهم فرثيّين، فقط ليسهل ربطهم بالفرس. يقول {وِل ديورانت} في جـ3 فـ25 من كتابه {قصّة الحضارة}: “الپارثيّون استوطنوا ولقرون طويلة المنطقة جنوب بحر قزوين (البحر الطبري) كعمّال للأخمينيّين، ثم للملوك السلوقيّين. هم سكوثيّون-طوران (ساكا)، انتموا عرقيّاً إلى سكّان تركستان وجنوب روسيا المعاصرات. سنة 248 ق.م، رئيس هؤلاء السكوثيّين المعروف باسم {أسّاكه (آشَّك)} ثار على الحكم السلوقي واستقلّ بپارثيا، وأسّس السلالة الملكية الأشكانيّة (…) وفي نهاية القرن الثاني قبل الميلاد ابتلعت الإمبراطوريّة الأشكانيّة الجديدة كلّ العراق وإيران.”. انتهى الاقتباس.

الملك الأخمينيّ دارا (داريوس) الأوّل قدّم نفسه بأنّه آري ومن نسل آري ونُقش على ضريحه بالحرف عبارة {أخمينيّ، پارسي، ابن پارسي، آري، ذو نسب آري.}. لم يقل پارثي، إنّما پارسي. والنقوش الأخمينيّة واضحة جدّاً بالتمييز ما بين الپارسي والپارثي. 

في النقوش الأخمينيّة ذكرت پارثيا على الدوام باسم {پرصَڤه}، ووُصف من ينتم إلى هذه المنطقة بأنّه پارثي. ولم تقل أنّ الپارسي من پرصَڤه، إنّما حدّدت وبشكل صريح موطن الپارسيّين في پارسه… هذان بلدان مختلفان: پارسه وپرصَڤه. 

خارطة پارثة وآريا وپارسه
خارطة پارثة وآريا وپارسه

پارسه المعروفة إغريقياً بالاسم پىرسه Περσίς هي اليوم محافظات فارس ويزد وكِرمان في إيران. أمّا پرصَڤه فهي اليوم غرب تركمنستان وأجزاء من أوزبكستان وقازاقستان؛ والنصف الشرقي من محافظة مازندران الإيرانية، بالإضافة إلى معظم البادية الإيرانية الشرقية. جغرافيّاً هنّ بلدين لا بلد واحد ولا تجمعهم حدود مشتركة.

تعود التسمية {پارسه 𐎱𐎠𐎼𐎿} إلى لغة وفدت من الشرق، من وادي السند، تركت في السنسكريتيّة اليوم كلمة {پَرشُ पर्शु} (Parśu) الذي كان اسماً لقبيلة. اسم هذه القبيلة وارد في لغة الأڤستا بصيغة {پىرسُش 𐬞𐬆𐬭𐬆𐬯𐬎𐬱} ومعناها الحرفي هو {ضلع، فلقة من شيء}. هذه القبيلة استجلبها الأسوريّون من آريا كمماليك واستعملنها على القسم الجنوبي من إيلام، ثمّ صار لهذه القبيلة مُلك المنطقة التي نعرفها اليوم باسم فارس فلبست اسمها. (1)

أمّا التسمية {پارثَڤه 𐎱𐎼𐎰𐎺} (پارطڤه) أو {پارثَو 𐭐𐭓𐭕𐭅} بلغتها المحلّيّة، فتعود إلى اسم قبيلة پارني الساكيّة التركية، التي سمّاها الإغريق قبيلة {أپارنوي Ἄπαρνοι} التي جاءت من ضفاف نهر الپنج Панҷ الموجود اليوم في طاجيكستان (2)(3)(4). ثمّ استوطنت ضفاف نهر آخر فتسبّبت بمنحه نهر الترك (أترك) الموجود اليوم ما بين إيران وتركمانستان. هذه القبيلة هي قبيلة سكوثيّة (ساكيّة) من الساكا المزارعين ولا تنتمي إلى ما يُعرف اليوم بالفرس. (5). وعن هؤلاء الپارنيّين (الپارثيّين) خرجت اللّغة الپهلويّة التي سمّاها العرب كذلك باللّغة الفهلويّة. (6)

من جهة ثانية، أصرّ الأخمينيّون دائماً على التذكير بأنّهم آريّون، والپارثيّين لسن من الآريّين إنّما من الساكا (السكوثيّين). فكيف اتّفقت مع المؤرّخين العرب اعتبار الپارثيّين والأخمينيّين من نسب واحد؟ والآريّون والساكا كما رأينا لا يتّفقون لا بالأصل ولا بالنسب ولا حتّى بالتراث.

ينتسب الآريّين إلى مملكة كان اسمها {هَرَيڤه 𐏃𐎼𐎡𐎺} (آرايڤه، آريو، آريا) واسمها في الأڤستيّة كان 𐬵𐬀𐬭𐬋𐬌𐬬𐬀 الذي يُلفظ {هَرايڤه} بألف مائلة إلى الواو. وكان موقعها إلى الشرق من پرصَڤه (بلاد الپارثيّين)، وتتحلّق حول وادي نهر المُرغاب، وكانت عاصمتها مدينة هرات الأفغانية المعاصرة. هذه مدينة لم تكن في حياتها پارثيّة.

وينبغي التوضيح هنا إلى أنّ آريا – هَرايڤه ليست منطقة أريانه (أريانم) الأقدم تاريخياً، والتي كانت إلى الشرق، تمتدّ ما بين نهر السند وحدود آريا – هَرايڤه. ذُكرت منطقة أريانه في النقوش والمخطوطات الأڤستيّة والسنسكرينيّة باسم {آرياڤَرته आर्यावर्त} وتعني بلد الآريّين (7). وقد تكون عشيرة الأخمينيّين في الأصل من هذه البلاد. وتسمية {آرياڤَرته} كانت في الأساس وقبل توسّعها تعبّر عن الأراضي التي تمتدّ من صحراء طهار (الهندية) حتّى نهريّ الگانگ (الغانج) والجُمنه (اليمنة). (8)

لربّما يكون الخلط ما بين الأخمينيّين والپارثيّين ناجماً عن اتّخاذ الأخمينيّين لأسماء پارثية قبل تأسيس دولتهم وإمبراطوريّتهم الكبرى. لكنّ هذه كانت حال كلّ الأرستقراطيّات القديمة في غرب ووسط آسيا خلال الألفية الأولى قبل المسيح، والسبب ديني. طالما أنّ الديانة التي انتشرت قبل الأخمينيّين كانت مذهباً پارثياً عبد الشمس. فقلّد الناس أسماء الپارثيّين، تماماً كما قلّد الناس أسماء العرب بعد شيوع الإسلام في ذات المنطقة. وليس كلّ من حمل اسم عبد الله عربي.

ليس الپارثيّون أخمينيّون، ولا ينتمي تراث الپارثيّين إلى تاريخ الأخمينيّين. كذلك لا ينتمي تراث الأخمينيّين إلى الپارثيّين، إذ هم شعبين منفصلين؛ إثنيّاً وأصولاً وجغرافيّاً؛ ولا يوجد حتّى اتصال جغرافي ما بين بلديهم، ولا يجب الدمج ما بينهم. هذا بالإضافة إلى الجدال المثار باستمرار حول تسمية الدولة الأخمينيّة بالفارسيّة، إذ يعترض الكثير من المؤرّخين على اعتبار الأسرة الأخمينيّة ودولتهم بالفارسية، وبينهم باحثين معاصرين من الفرس. وأنا أميل إلى آرائهم.

أمّا الساسان فهم من مماليك الأشكان (الپارثيّين) وأخذوا الحكم من الأشكان كرجال دين. لكن، ما استعدونهم ولم يبيدنهم، بل تركوهم على معظم أملاكهم واعتبروهم أرستقراطيّة. كما فعل الترك بعبّاسيي العراق في القرن العاشر. ويسجّل التاريخ الكثير من تدوينات الأمراء الأشكان الپارثيّين في العهد الساساني، التي يستنكرون فيها تصرفات الساسان ويتبرّؤون فيها منهم.

يُعتقد أنّ عشيرة الساسان تعود في أصلها إلى مدينة {ٹيکسلا 𑀢𑀔𑀲𑀺𑀮𑀸} (تاكسيلا) الواقعة اليوم في الپُنجاب شمال پاكستان. بسبب العثور في هذه المدينة على نقود مختومة بكلمة ساسان وتعود إلى تاريخ أقدم من تاريخ الدولة الساسانية، كما أنّ الرمز المصكوك على النقود يماثل الرمز المصكوك على نقود {شابور الأول بن أردشير 𐭱𐭧𐭯𐭥𐭧𐭥𐭩} المؤسّس الفعلي للدولة الساسانية وثاني ملوكها. (9)(10)

وبالخلاصة، نجد أنّه ليستحيل أن نضع خطّاً واحدة يسمّى ممالك الفرس، سيّما وأنّ كلّ واحدة من الأسر المالكة لما يسمّى بالإمبراطوريّات الفارسية، تنتمي إلى أمّة مختلفة:

  • الأخمينيّين آريّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة آريا على نهر المُرغاب، أو إلى منطقة آريانة شمال الهند.
  • الأشكان الپارثيّين تُرك من الساكا الطوران، يعودون بأصولهم إلى منطقة ضفاف نهر الپنج في طاجيكستان المعاصرة.
  • الساسان پُنجابيّين، يعودون بأصولهم إلى منطقة مدينة ٹيکسلا شمال پاكستان المعاصرة.
  • الفارسيّة المعاصرة لغة صُنعت بفضل الدولة البويهيّة وما كانت موجودة قبلها.

المراجع:

1 Hoffmann, K. (1940), “Vedische Namen”, in Wörter und Sachen, volume 21, p. 142

2 Curtis, Vesta Sarkhosh; Stewart, Sarah (2010-03-24). The Age of the Parthians.

3 Lecoq, Pierre (1987), “Aparna”, Encyclopaedia Iranica, vol. 2, New York: Routledge & Kegan Paul p. 151

4 Curtis, Vesta Sarkhosh; Stewart, Sarah, eds. (2007), The Age of the Parthians, Ideas of Iran, vol. 2, London: I. B. Tauris p. 7

5 Lecoq, Pierre (1987), “Aparna”, Encyclopaedia Iranica, vol. 2, New York: Routledge & Kegan Paul. p. 151 

6 Ghodrat-Dizaji, Mehrdad (2016-08-30), “Remarks on the Location of the Province of Parthia in the Sasanian Period”, The Parthian and Early Sasanian Empires, Oxbow Books, pp. 42–46,

7 Apte, Vaman Shivaram (1957). “Revised and Enlarged Edition of Prin. V. S. Apte’s The Practical Sanskrit-English Dictionary”.

8 Bronkhorst, Johannes (2011), Buddhism in the Shadow of Brahmanism, BRILL. p. 4

9 Daryaee. “Ardaxšīr. and the Sasanian’s Rise to Power”. Studia Classica et Orientalia.

10 Touraj Daryaee. Daryaee, T: Sasanian Persia: The Rise and Fall of an Empire (International Library of Iranian Studies, 8).

الإعلان

5 رأي حول “الدعاية الفارسية وسرقة تراث العرب والترك”

    1. شكراً لاهتمامك ضياء. مقولة أنّ أصل الفرس من الهند هي مقولة مطّاطة، فأي فرس تقصد هذه المقولة؟
      من يسمّون بالفرس في وقتنا الحاضر هم خليط من العرب ومن شعوب غيرها تحوّلوا إلى اللغة الفارسية والقومية الفارسية لاحقاً. لكن، الساسان من الپنجاب شمال پاكستان وكانوا مماليك الأشكان. والأشكان طوران من قازاقستان وتركمانستان المعاصرات. أمّا قبل السلوقيين فقد حكم هذه البلاد الأخمينيّون، وهم في الأصل من بلد اسمها آريا، لا يعرف تماماً إن كانت آريا هذه هي أفغانستان المعاصرة أو أريانا شمال الهند، لكنهم كانوا مماليك الأسوريين الآراميين.

      إعجاب

      1. إذا كان الاخمينيون بارسيين فاين هم البارسيين الان واين الاخمين

        إعجاب

      2. هذه أناس ذابت في شعوب المنطقة قبل حوالي ٢٥ قرن أخي محمد. وما عاد من وجود تراثي مميّر لأي منهم. لكن تركة الپارثيين نجدها في التركمان أهل تركمانستان وأذربايجان المعاصرات

        إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s