,

في تأصيل كلمة حوت

الإعلانات

يلفت نظري على الدوام اختلاف معنى كلمة حوت ما بين لهجات العرب. فبينما يقصد المشارقة اليوم فيها ثديّيات الماء الكبيرة، يقصد بها المغاربة واليمنيّون السمك عموماً. وتأصيل كلمة {حوت} بحدّ ذاتها إشكالي في اللّغة العربية.

ليس لكلمة {حوت} جذر عربي معروف، لذا وضعها الفراهيدي في كتاب العين في باب الثلاث المعتل حيث الحرفين {حاء وتاء} يرافقهم صوت علّة (1). ثمّ وضعها الجوهري في الصحاح في باب مستقل عنونه {حوت} دون تصنيف. ويرد فيهما أنّ الحُوت بضمّة على الحاء هو من السمك. والحَوت بفتحة على الحاء اسم لطائر يحوم حول الماء، وكذلك اسم لحركة حَوَمانُ الحيوان المفترس حول فريسته.

في الأگّديّة يقابل كلمة حوت المعاصرة كلمة {زِبّاتُ} Zibbātu وكذلك {زِبّاتُ سِنونوتُ} zibbāt sinūnūtu. (2). لكنّها في الواقع أسماء تعبّر عن برج الحوت في السماء، وتعني حرفيّاً {ذو ذيول طويلة}. ولم ترد في أيّ نص قديم بمعنى حيوان الحوت أو السمك.

يمكننا القول بأنّ كلمة حوت تحوير عن أصل يعبّر عن الاحتواء، وهو رأي ذهب إليه الكثير من اللّغويّين المعاصرين (3). ووفق هذه الفرضيّة خرجت كلمة حوت بإضافة تاء استمرار الزمن إلى الكلمة الآرامية {حوه} 𐤇𐤅𐤄 التي تعني احتواء الشيء، وكذلك {حويه} 𐡇𐡅𐡉𐡄 وهذه الأخيرة هي كذلك اسم الحيّة (التي تسعى) سواء بشكلها الآرامي أو السرياني {حِويا} ܚܘܝܐ … اسم الحيّة تحوّل في العربية الوسطى إلى {حِوُوت} التي تعني حيّة البحر (الغيدقاء) ولا أحد يعرف كيف تحوّلت تسمية حيّة البحر لتصبح اسماً للحوت: السمك والحيتان. 

الرابط الوحيد الموجود في الآثار التي قد تسوقنا إلى هذا الجسر المعنوي نجده في المصريّة القديمة، حين كانت كلمة {حوثن} hwṯn المصرية تعني سمكة (4). ولم تنتشر كلمة حوثن بمعنى سمكة في عموم مصر القديمة كلها، إنّما كانت مستعملة فقط في المنطقة من أسيوط إلى القاهرة.

إلى جانب ذلك، الحوت في ذلك الزمن يختلف عن الحوت كما نعرفه اليوم. فكل الكلمات المعبّرة عن الأسماك في العهود السومري والأگّدي والبابلي كانت تعبّر كذلك عن طيور أو غيرها من الحيوانات، تماماً كما العربيّة، مثلاً:

  • مقابل كلمة سمك {إرسُپُّ} 
  • السمك النهري عموماً {نونُ} وفي العربية الوسطى والسريانية {نون} تعني حوت.
  • سمك الكارب {أرسُپُّ} وهو كذلك اسم أحد أنواع التفّاح
  • الحوت والدلفين {ناخِرُ} و {ناعيرُ} وهو كذلك اسم أحد أنواع الطيور التي تزقزق كما الدلفين والحيتان. وهو اسم الكاهن الذي يغنّي للصلاة.
  • سمك الأكل {إنكيتُ} وكذلك {إنقيتُ}.
  • السمك البحري {كَمارُ}
  • الأنقليس {كُپّو} وهو كذلك اسم نوع من الطيور واسم لنوع من الأفاعي.
  • السمك الكبير {مَصاتانُ}.

عموماً، بإمكاننا استسهالاً أن نقول أنّ أصل كلمة حوت العربية هو كلمة {حوثن} hwṯn المصرية القديمة.

المراجع

1 الخليل بن أحمد الفراهيدي. كتاب العين. جـ3 صـ282

2 Dictionnaire akkadien. Association Assyrophile de France.

3 Corriente, Federico; Pereira, Christophe; Vicente, Angeles, editors (2017) Dictionnaire du faisceau dialectal arabe andalou. Perspectives phraséologiques et étymologiques (in French), Berlin: De Gruyter, pages 378–379

4 Teilauszug der Datenbank des Vorhabens “Strukturen und Transformationen des Wortschatzes der ägyptischen Sprache” vom Januar 2018 

الإعلان
الإعلانات

صورة أفاتار مؤنس بخاري
الإعلانات

تعليقات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

%d مدونون معجبون بهذه: