فن, معالم, المملكة المغربية, الجزائر

ملحمة قميص أديداس

تدور ما بين الجزائريّين والمغاربة اليوم رحى معركة طاحنة حول مرجعيّة التراث، سببها قميص ألماني.

إذ قدّمت شركة أديداس الألمانية قمصاناً جديدة للمنتخب الجزائري وقالت عبر تويتر أنّ {القمصان مستوحاة من التصاميم العريقة لقصر المشور في مدينة تلمسان الجزائرية.}. وأثارت هذه التغريدة حفيظة المؤسّسات الثقافية الرسمية في المغرب إلى حدّ بعيد، التي اعتبرته محاولة سطو على أحد أشكال التراث الثقافي المغربي التقليدي.

قميص أديداس لفريق كرة القدم الجزائري
قميص أديداس لفريق كرة القدم الجزائري

تؤسفني هذه الخلافات الدائمة ما بين الجمهوريّة الجزائري والمملكة المغربيّة، وهنّ في الأساس واحد بتراث واحد وشعب مغاربي واحد. وبالنسبة لي أنا المشرقي، كلّهم في الجمهوريّة والمملكة أراهم مغاربة.

قصر المشور في تلمسان الجزائريّة بني في القرن 11 بأمر من {أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي} ليكون قصبة تغرات تلمسان الموحّديّة. والقصبة المغربيّة معروفة بمفهومها، أي المبان الحصينة كانت تُتّخذ مقرّاً للجند للدفاع عن منطقة معينة وتأمينها، وكذلك لتكون مقرّ قيادة المنطقة وإدارتها.

تغيّر اسم القصر في القرن 13 إلى قصر المشور (أي الشورى) وأعيد تزيينه في عهد الأمير {يغمراسن بن زيان بن ثابت بن محمّد} الذي والى الخليفة الموحّديّ {عبد الواحد الرشيد بن المأمون} الذي كتب له بالعهد على ولاية {المغرب الأوسط} أي الجزائر حالياً. 

واحدة من باحات قصر المشور في تلمسان
واحدة من باحات قصر المشور في تلمسان

والخلافة الموحّديّة هي دولة الموحّدين التي تأسّست في تينمل ومراكش سنة 1121 وحكمت ما هو اليوم المملكة المغربيّة وجنوب إسپانيا والپرتغال والجزائر وتونس وليبيا، ثمّ انفرطت سنة 1269. وبانفراطها استقلّ الأمير {يغمراسن بن زيان} بولايته الموحّديّة وأنشأ مملكة تلمسان، فنشأت من بعده السلالة الملكيّة الزيانيّة.

وعلى هذا فعمارة قصر المشور في الأساس هي عمارة مراكشيّة موحّديّة. وحتّى لمّا أعيد تزيينه في القرن 13 كان لم يزل من المؤسّسات الحكوميّة الوحّديّة، وجرى تزيينه على المدرسة المراكشيّة التي كانت تعتمدها المؤسّسات الحكوميّة الموحّديّة في ذلك الزمن. فهو تراث مغربي.

رمز ربع الحزب
رمز ربع الحزب

أمّا النجمة الثمانية المستعملة بكثرة في الزخارف المغربية، فهي رمز ربع الحزب في القرآن الكريم. وتراه اليوم في شعار كلّ من جمهوريّة تركمانستان من سنة 2003 وأوزبكستان منذ 1992 وأذربايجان منذ 1993 وفي وسطه كلمة الله. كل هذه الدول استعملت هذا الرمز بمعنى ربع الحزب من القرآن، تماماً كما استعملته الدول المغاربيّة القديمة، والسبب استعماله من قبل الصوفيّين كرمز للدولة الصوفيّة وللصوفيّة السياسية. وهو مربّعين مشتركين في المركز أحدهما مائل عن الآخر بقدر 45 درجة وفي وسطهم دائرة. ويرمز التكوين كاملاً إلى وحدة الله، وهي المسألة المعروفة اليوم باسم {وحدة الوجود}.

ربع الحزب في الشعار الوطني للحكومة الأوزبكستانية
ربع الحزب في الشعار الوطني للحكومة الأوزبكستانية

وربع الحزب في القران الكريم هو من التقسيمات التي اصطُلح عليها. حيث أنّ القران الكريم مقسّم إلى ثلاثين جزء، وكلّ جزء مقسّم إلى حزبين، وكل حزب ينقسم إلى أربع أجزاء يسمّى الواحد منها ربع حزب. ويشار إلى ربع الحزب في القرآن بالعلامة التي سلف شرحها. وهي التي صارت على رايات كل الدول التي أعلنت أنّها تسير على نهج إسلامي صوفي. في مخالفة للدول الإسلامية التي رفعت على راياتها النجمة السداسية لتقول بأنّها على نحج إسلامي حنفي.

وكان أوّل من اعتمد رمز ربع الحزب على راية سياسية هم بني مرين لمّا استقلّوا عن الدولة الموحّديّة سنة 1244، فجعلوا لدولتهم من فاس راية حمراء عليها نجمة ربع الحزب باللون الأصفر. ثمّ قلّدتهم الدولة السعدية باستعمال راية المرينيّين نفسها. 

راية المملكتين المرينية والسعدية
راية المملكتين المرينية والسعدية

ويذكر {ابن القوطية} في كتابه {تاريخ افتتاح الأندلس} أنّه منذ عهد {هشام بن عبد الملك} نزل الشاميّون في كور الأندلس وتفريقهم على قرطبة، إذا كانت لا تحملهم، فأنزل أهل دمشق بالبيرة، وأهل الأرْدُنّ برية وأهل مصر بباجة، وقطيعاً منهم بتدمر. لذلك كان من الطبيعي أن تقتبس الدولة الناشئة المعالم الحضارية الشامية، ومنها التقاليد والأنظمة الشامية ومظاهر العمران. 

وكان من أبرز ما وصل الأندلس من العمارة الشامية النجمة الثمانية التي كانت ومن عهد الكنعانيين قبل 3500 سنة رمز لكوكب الزهرة التي هي تجسيد للربّة عشتار، ولهذا تظهر الدائرة في الوَسَط أي كوكب الزُّهَرَة، ثمّ المربّعين المتقاطعين حولها أيّ أشعّة سلطتها ورحمتها ونورها على العالمين. وهذه الرمزيّة هي ما حوّله المتحوّلون إلى المسيحيّة من عباد عشتار إلى رمز المعموديّة، ثمّ لمّا تحوّلوا إلى الإسلام صارت رمزاً لله. وكان استعمال الإسلامي الأوّل في فلسطين في قبّة الصخرة، التي بُنيت وزيّنت في العهد الأموي.

حاول الأموي {عبد الرحمن الداخل} أن يجعل من عاصمته قرطبة صورة من دمشق، وكان الأمير عبد الرحمن قد استعان بالبنائين والمهندسين الشاميين في بناء قصوره ومساجده ومقصوراته. وهذا التشابه في البناء المعماري بين بلاد الشام والأندلس كان بتأثير الحضور الشامي في الأندلس. وهكذا لقّح عبد الرحمن حضارة الأندلس بالطابع الشامي، وإليه يرجع الفضل في غرس بذور نهضة علميّة زاهرة بقرطبة (راجع: السيد عبد العزيز سالم، {تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس}).

وظهر التأثير العربي الإسلامي الأندلسي على المعمار المغربي حين استقى المرينيّون عمارة الأندلس الشامية نموذجاً لمدرسة الصفارين بفاس، المتمثلة في فسيفسائها المشكّلة بالنجمة الثمانية. وتعدّ مدرسة الصفارين أول مدرسة بنتها الدولة المرينية على يد السلطان {أبو يُوسُف يعقوب بن عبد الحق}، وتعدّ من أقدم المدارس بفاس. وميزتها الزخرفة الهندسية والنباتية والزليج الذي يكسو أعمدتها وأفارزها المزينة بزخرفة النجمة الثمانية. 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s