أحد الأكاذيب الأسطورية التي يروّج لها القوميّون الكرد اليوم هي خرافة نسبة الشعب الكردي إلى شعب ميدي قديم.
أساساً لا يوجد في التاريخ شعب ميدي ولا إثنية ميديّة. هذه خرافة. التسمية بلاد ماده (وليس ميديا) هي تسمية دينيّة في الأساس، كما تقول اليوم بلاد إسلامية، أو بلاد مسيحية أو يهودية… التسمية الأصلية من الاگّدية {مات مادايه} 𒆳𒈠𒁕𒀀𒀀 وتُقرأ كذلك {مات ماتايه} وتعني بلاد القمريّين. أي {بلد من يعبدون القمر}. فهي تسمية تعود إلى ديانة القمر القديمة.
المعبود {مه} أو {ماه} على الهضبة الإيرانية ووسط آسيا وفي العراق، يقابل المعبود {مقه} في اليمن ومعظم شبه الجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقيا والتراث اليماني القديم. وهو القمر. وكانت هذه العبادة هي ديانة طيء الأصلية كذلك التي تحوّلت لدى بعض طيء إلى اليهودية زمن الدولة السلوقيّة، كما استمرّت بعض قبائل طيء تعبد القمر فيما هو اليوم المملكة الأردنيّة وجنوب سوريا حتّى القرن العاشر.
عبادة القمر {مه} استمرّت في الديانة الزرادشتية بعد نشوئها، وسجّل الأڤستا اسمه (أو اسمها) بصيغة {ماه} 𐎶𐎠𐏃 التي تطوّرت في الپهلوية إلى 𐭡𐭩𐭥𐭧 بنفس اللّفظ ووصلت الهند بنفس التسمية بصيغة माह. ثمّ صارت {ماخ} و {مخ} 𐫖𐫀𐫆 في الديانة المانويّة البابليّة العراقيّة، في العهد الساساني.
تسمية المعبود القمر {مه} تعود في الأساس إلى كلمة سومريّة هي {مَخ} 𒈤 وتشمل في معانيها السومرية على: مبجّل، رئيس، ذو مقام كبير، سامي، جليل، عظيم، رائع. فهي في الأصل صفة مُنحت للقمر لمّا صار معبوداً، وليست اسماً للقمر. لكنّها في ذات الوقت كلمة محلّيّة غير مستوردة من خارج البيئة العراقية.
و{ماده} كانت تسمية البلد في العهد الأخميني بصيغة 𐎶𐎠𐎭 وهي التي تحوّلت في الإغريقيّة القديمة إلى {مادوْي} أو {مادو} Μῆδοι وبذات المعنى، القمريّين. لكن، في العهد الأشكاني والساساني حملت هذه البلد تسمية {ماه} فقط.
في الخارطة نلاحظ البلد {ماه} ضمن أستانات المملكة الساسانية ما بين أبارشاهر وأسورإستان وحوزإستان وأضربايگان.

تشير المكتشفات الأثرية الحديثة إلى أنّ سكّان {مات مادايه} أيّام الإمبراطورية كانوا خليطاً بدويّاً من الپشتون والعرب والهياطلة والأرمن… لكنّ إيرودوت Ἡρόδοτος المؤرّخ الإغريقي المعروف من القرن الخامس قبل الميلاد، سجّل في كتابه {التاريخ} أنّ سكّان {مات مادايه} (ماده) كانوا بكلّهم آريّين، نفس الشعب الذي كانت له مملكة {آريا} على نهر المرغاب جنوب أفغانستان، ونفس الشعب الأصل للأسرة الملكيّة الأخمينيّة، التي خرج منها قوريش مؤسّس المملكة، والذي كان في الأساس أميراً ماديّاً (ميدي) ابن أميرة من بلاط القصر المادي.

عاش سكّان {مات مادايه} حياة بدويّة بالكامل قبل أن يتحوّلوا إلى شعوب مزارعة. ثمّ تحوّلت البلد إلى الاقتصاد الزراعي في العهد الأشكاني، لا قبله، طالما كان الپارنيّون (الپارثيّون) شعباً مزارعاً بالأساس، يعبد الشمس. والحروب الماديّة-الأسوريّة كانت بالأساس صراع على الأرض؛ هل يكون اقتصادها زراعيّاً أو رعويّاً، أي هل تنظّم البلاد وفق منطق عبادة الشمس الحضري أم وفق منطق عبادة القمر البدوي. وما كان الصراع المادي-الأسوري صراع إثني بالمطلق.
حرّمت الديانة الماديّة (الميديّة) الكتابة والزراعة والاستقرار والتجارة بالمال، واعتبرت امتلاك الأرض من المكروهات. وهذا سبب غياب أي آثار مكتوبة من تلك الدولة ومن تراثها. كل ما نعرفه عنها هو من كتابات الشعوب التي تحاربت معها، لا منها ذاتها. كذلك وبسبب هذه الديانة نفسها، لا نعثر اليوم على نقود ماديّة مضروبة زمنها وقبل العهد الأخميني.
عاصمة {مات مادايه} (ماده) القديمة كانت مدينة أگّديّة في الأساس اسمها الأگّدي {أگَمتَنُ} 𒆳𒀀𒃵𒋫𒉡 (أجَمَتن) وهي التسمية التي يُعتقد أنّها مصدر كلمة {عجم} العربيّة. تحوّل اسمها إلى {أحمِتا} אַחְמְתָא في العهد الآرامي (الأسوري)، ثمّ {أحمَدان} 𐭠𐭧𐭬𐭲𐭠𐭭 في العهد الأشكاني، ثمّ {أهمدان} 𐭀𐭇𐭌𐭕𐭍 في العهد الساساني.
وفي الواقع ما كان للماديّين عاصمة قبل القرن الثامن قبل الميلاد، ثمّ اختار لهم هذه المدينة الأگّديّة ملك اسمه {دَهْیوکَ} وفق الأدب الپهلوي، و{دیااُکو} وفق الأدب الإغريقي. والكلمة {دَهْیوکَ} تعني الأرض في الپهلويّة، أو ما هو على الأرض أو مدفون فيها بشكل أدق. لذا قد لا تكون هي اسم الملك الحقيقي إنّما لقب له. ومنها اسم مدينة دهوك العراقيّة المعاصرة. وتقع أطلال العاصمة الماديّة (الميديّة) القديمة اليوم بالقرب من مدينة {همدان} شمال إيران.
عقب الحرب العالمية الثانية اقترح المؤرخ واللغوي الروسي ڤلاديمير مينورسكي Владимир Минорский أنّ الميديين، الذين سكنوا الأرض على نطاق واسع حيث يشكل الكرد حاليًا أغلبية، ربما كانوا أجداد الكرد المعاصرين، ولم يسبقه إلى هذا الاقتراح أحد. وسنده الوحيد كان ادّعاءه تشابه بعض الكلمات الكرمانجية مع كلمات من لغة البدو الذي وفدوا على منطقة ماده من الشرق في القرن الثامن قبل الميلاد. مع ذلك تم قبول هذا الرأي من قبل العديد من القوميّين الأكراد في القرن العشرين، وصار قناعة لهم. لكن مع غياب أي دليل أثري.
لربّما تكون أخطاء المستشرقين القدامى هي التي ساقت إلينا أسطورة وجود شعب ميدي وإثنية ميدية بإساءة تفسير النقوش القديمة، وقد تكون تلفيقات قوميّة مقصودة عن عمد. كما حدث باختراع الشعب الميتاني مثلاً، وهي الأخرى تسمية لدين وليست لشعب. لكن، من الأكيد أنّ أكراد اليوم لسن سلالة من شعب ميديّ قديم. وليس للقوميّين الكرد اليوم حقّ بسرقة تاريخ ماده القديم.