مصر, أوروپا, إبيريا, إسپانيا, اليونان, تاريخ, خرائط

في تاريخ إمارة عسل القند ومملكة السكّر، كريت العربيّة

من الدول العربيّة الأوروپيّة الغائبة عن التاريخ العربي، دولة لم يزل لها عظيم الأثر في حياتنا المعاصرة، برغم صغر مساحتها وقصر عمرها نسبيّاً. هذه الدولة اخترعت صناعة حلويات السكاكر الصلبة واللّيّنة، وصنعت هذا الاقتصاد المستمرّ حتّى اليوم، حتّى تجاوز حجم سوقه أكثر من 300 مليار دولار أميركي (1). هذه الدولة اسمها إمارة إقريطش (قريطة) وعاشت أكثر من 140 سنة. ولو أنّ عاصمتها {ربض الخندق} بقيت مدينة عربيّة طيلة 307 سنوات.

تبدأ حكاية إمارة إقريطش بمحاولة انقلاب فاشلة في إمارة قرطبة. لكن قبل ذلك، لنحك قليلاً في تاريخ الحضور العربي الإسلامي في جزيرة كريت قبل تأسيس هذه الإمارة.

الحضور العربي في جزيرة كريت قبل الإسلام حديث آخر. لكنّ أوّل حضور عربيّ إسلاميّ في كريت كان سنة 654 م في أيّام خلافة {عثمان بن عفّان} واستمرّ عدداً قليلاً من السنوات ثمّ عادت الجزيرة كاملة ليد البيزنطيّين بسبب فتنة اغتيال الخليفة. ثمّ في سنة 674 م غزاها {جنادة بن أبي أميّة الأزدي} أيّام إمارة {معاوية بن أبي سفيان} بعد جزيرة أرواد (2) وكان يحاول تطهير جزر الشام من الحضور البيزنطي. لكنّ الجزيرة عادت بعد معاوية لأيدي البيزنطيّين كلّها.

سنة 705 م أرسل الخليفة الأموي {الوليد الأوّل} (الوليد بن عبد الملك بن مروان) حملة جديدة على الجزيرة احتلّتها كاملة حتّى سنة 715 م حين اتّفقت الدولتين العربيّة الأمويّة والبيزنطية على تسليم الجزيرة للبيزنطيّين مع الاحتفاظ بميناء وقلعة {ربض الخندق} في شمال الجزيرة بيد العسكر الأموي (3). وبقي الوجود العربي الإسلامي مقتصراً على هذه القاعدة العسكريّة طيلة الأعوام المئة التالية، هكذا إلى أيّام حادثة أندلسيّة غيّرت الأحوال.

في الواقع، كانت الدولة البيزنطية تعيش في تلك الفترة واحدة من أسوأ مراحلها، هي فترة الأعوام العشرين من الفوضى. حين كان يتغيّر الإمبراطور كل سنة أو سنتين، وفي تلك الفترة تحديداً كان على العرش الإمبراطور العسكري {أرتيميوس الثاني} Ἀναστάσιος الذي خُلع بانقلاب عسكري قاده في نهاية سنة 715 م عسكري آخر هو {ثيودوسيوس الثالث} Θεοδόσιος واشتعلت حرب أهليّة لم تنته إلّا باستقرار الأسرة الإسَوريّة على السلطة. 

سنة 813 م كشف الأمير الأمويّ {الحكم الأوّل} (أبو العاص الحكم بن هشام الأموي) مؤامرة قرطبيّة للانقلاب عليه وخلعه، فصلب بسببها 72 رجل (4). هذه الحادثة تسبّبت بحنق العامّة، وتدحرجت إلى أن تحوّلت في رمضان سنة 818 م انتفاضة عامّة. قمعها الحكم وأخمدها، لكنّه أمر بسببها بتهجير سكّان {ربض شقندة} (ضاحية) منفيّين إلى خارج الدولة، بعد هدم منازلهم. بعد أن قام بصلب 300 منهم لتخويفهم.

رحل أغلب المهجّرين أوّلاً إلى مدينة فاس المغربيّة، بينما هاجر جزء منهم إلى مدينة الإسكندرية المصرية، وكانوا عشرات الآلاف، فحاولوا الاستقلال بالمدينة في عهد والي مصر الانفصالي {عبيد الله بن السري بن الحكم}، واستمرّ حكمهم فيها فعلاً حتّى سنة 827 م حين فاوضهم {عبد الله بن طاهر الخراساني} على ترك الإسكندرية على أن تمنحهم الدولة العبّاسيّة قلعة وميناء {ربض الخندق} في جزيرة كريت (5)(6).

من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. هجرة الأندلسيّين من مصر إلى كريت
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. هجرة الأندلسيّين من مصر إلى كريت

كان من الشقنديّين الأندلسيّين حوالي عشرة آلاف يشتغلون بالقرصنة في بحر الشام (شرق المتوسط) في ذلك الوقت. وأرادوا حكم الإسكندريّة لتكون لهم قاعدة بحريّة، لكنّ المدينة بذاتها لم تعن لهم شيئاً وهم حديثي عهد فيها. وباستبدالها بـ{ربض الخندق} تتحقّق لهم عزلة عسكريّة وقاعدة أفضل لأساطيلهم متوسّطة في البحر المتوسّط. أمّا من جهة العبّاسيّين منح هذه القاعدة العسكريّة للشقنديّين ضربة عصافير كثيرة بحجر واحد. أهمّها إقلاق راحة التجارة البحريّة البيزنطية باستمرار، مع القدرة على تنصّل الدولة العبّاسيّة من المسؤوليّة، طالما أنّ الشقنديّين مستقلّين رسميّاً عنها، وهم غربيّون ليسوا من المشرق.

وكانت حالة القاعدة الإسلاميّة في كريت تثير القلاقل للعبّاسيّة في تلك الفترة، إذ كاد أن يخسرها العبّاسيّون مرّتين، مرّة في أثناء ثورة {توماس الصقلّبي} Θωμᾶς ὁ Σλάβος على الإمبراطور البيزنطي سنة 821 م، ومرّة ثانية سنة 824 م (7) فصارت تكاليف الاحتفاظ بهذه القاعدة مرتفعة نسبيّاً، وبتسليمها للقراصنة الأندلسيّين مع تأمين الحماية السياسيّة العبّاسيّة لوجودهم، تخلّصت بغداد هكذا من تكاليف الاحتفاظ بقاعدة كريت.

وكانت الدولة العبّاسيّة قد سمحت للقراصنة الأندلسيّين باستعمال ميناء الإسكندرية والتجارة فيه والنزول في المدينة من سنة 798، وهذا كان سبب اختيار الشقنديّين لهذه المدينة هدفاً وملجأً سنة 818، وما كان اختياراً عشوائياً. 

بكلّ حال، كان من بنود اتّفاقيّة سنة 827 م أن لا يقيم أندلسيّ في أيّ من الأراضي العبّاسيّة. وهكذا نزح أندلسيّي الإسكندريّة جميعاً مع الشقنديّين إلى كريت على أربعين سفينة، تحت إمرة القرطبي {أبو حفص عمر البلوطي القرطبي الغليظ} ونزلوا خليج السوداء Σούδα شمال غرب كريت. ثمّ استغلّ {أبو حفص الغليظ} الفرصة وتوسّع في الجزيرة حتّى حكمها كلّها.

من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. مبايعة العرب والكريتيّين للأمير أبو حفص الغليظ
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. مبايعة العرب والكريتيّين للأمير أبو حفص الغليظ

وكان فتح {أبو حفص الغليظ} لجزيرة كريت قد تزامن مع فتح الأغالبة لجزيرة صقلية في نفس السنة، ما يعني أنّ الدولة البيزنطيّة كانت في أسوأ أحوالها آنذاك عقب ثورة {توماس الصقلّبي} مع انقسام عسكري كبير، منع البيزنطيّين عن الردّ ومكّن للشقنديّين فتح كريت كلّها والاستقلال بها. مع ذلك، أرسل البيزنطيّون حملتين عسكريّتين لتحرير جزيرة كريت من الحكم العربي، وفشلت كلتا الحملتين وقُتل قوّادها مصلوبين (8).

من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. أسطورة حرق أبو حفص لسفن العرب لمنعهم عن العودة إليها... لكنّ الأسطورة خرافة غير حقيقية
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. أسطورة حرق أبو حفص لسفن العرب لمنعهم عن العودة إليها… لكنّ الأسطورة خرافة غير حقيقية
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. نصيحة الراهب الأرثوذوكسي للعرب بنقل العاصمة وبناء الجديدة في قلعة الخندق (القلعة الكبيرة).
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. نصيحة الراهب الأرثوذوكسي للعرب بنقل العاصمة وبناء الجديدة في قلعة الخندق (القلعة الكبيرة).

اتّخذ الأندلسيّون بداية مدينة گورتينه Γόρτυνα (قارتين) عاصمة لهم، وهي مدينة فنيقيّة قديمة جنوب الجزيرة، وكانت عاصمة إداريّة لها في الأساس في أيّام البيزنطيّين بعد الرومان وبعد فنيقيّي ليبيا (برقة). ثمّ نقلوا العاصمة من بعدها إلى منزلهم الأوّل في الشمال بعد إنشاء مدينة {ربض الخندق} الجديدة (9). وهي اليوم مدينة إيراكليو Ηράκλειο أو قنديّة أو كانديّة.

بعد تمكّن {أبو حفص الغليظ} من فتح كريت كلّها وإعلان {إمارة إقريطش} كثرت هجرة الأندلسيّين إليها من كلّ أنحاء الدولة العبّاسيّة، ثمّ صارت مرتعاً للمعارضة الأندلسيّة وتجارتهم، وبازدهار اقتصادها تنوّعت مصادر المهاجرين إليها من كلّ مكان، وقد كثرت فيها الزراعة والصناعة. ولمّا كان الأندلسيّون في الأساس من مجتمع خليط، لم يشكّل لهم الوجود المسيحيّ الأرثوذكسيّ أي مشكلة في الجزيرة، واعترفت الدولة بالكنيسة المسيحيّة الخلقيدونيّة ديانة رسميّة إلى جانب الإسلام العبّاسي.

عموماً، تشير التدوينات القديمة إلى صورة توحي بأنّ سكّان مدن جزيرة كريت في العهد الإقريطي كانوا بأغلبيّة ساحقة من المسلمين السنّة، سواء من الأندلسيّين أو غيرهم من المهاجرين أو من المتحوّلين المحلّيّين إلى الإسلام. بينما كان سكّان الأرياف بأغلبيّة مسيحيّة على الأرثوذكسيّة الخلقيدونيّة. وهذا ينفي أي مزاعم عن مساعي الأسرة القرطبيّة لاضطهاد مسيحيّي الجزيرة (10).

خارطة إمارة إقريطش مطلع القرن العاشر
خارطة إمارة إقريطش مطلع القرن العاشر

ازدهرت تجارة {إمارة إقريطش} بالشام ومصر، وإلى جانب منتجاتها الذاتيّة، سيّرت الأساطيل الإقريطيّة تجارة مصر والشام بإيطاليا والعكس، وهو الميراث الذي ورثته عنها جمهوريّة البندقيّة وسارت عليه. وكان من ازدهار الإمارة أن صارت لها موانئ عديدة في مشرق البحر المتوسّط تخدمها كمواقع تجارة حرّة دون أن تكون في سلطنة دولتها. ومنها كان ميناء دمياط في مصر، وميناء عكّا في الشام (فلسطين)، وميناء إسكندرون في سوريا (تركيا).

لمّا بحثت الأسرة الملكية القرطبيّة عن مورد رزق متميّز يكون ميزة لإمارة إقريطش، وجدوا قصب السكّر وكان احتكاراً إسلاميّاً في ذلك الزمن، فأدخلوا زراعته إلى الجزيرة من مصر، وكانت أوّل أرض أوروپيّة تدخلها زراعة قصب السكّر (11)، ثمّ ابتكروا تحويل الحلويّات المصريّة المعمولة من تجفيف الفواكه والعسل، إلى منتجات سكّر القصب. أطلق العرب آنذاك تسمية {عسل قنديّة} أو {العسل القند} على حلويّات مدينة الخندق، عاصمة إقريطش ومقرّ صناعات السكّريّات الأهمّ في الإمارة.

برغم اشتغال اليمن بإنتاج وتصدير السكّر منذ القرن الأوّل بعد الميلاد، لا سيّما إلى الإمبراطورية الرومانية (12)، لكن مع ذلك، لم ينتشر السكّر حول العالم القديم قبل القرن الثامن حين نشرت الدول المسلمة زراعة قصب السكّر وإنتاج هذه المادّة، التي سرعان ما اكتسبت أهمّيّة عالية حول العالم. حافظ العرب المسلمين على احتكار إنتاج السكّر حول العالم القديم (13) (عدا الصين) حتّى القرن 15، حين استولى القشتاليّون على مملكة غرناطة النصريّة والجزر التي تمتلكها غرب أفريقيا، فبدأت صناعة السكّر الأوروپيّة فيها (14).

خارطة تاريخ زراعة قصب السكّر
خارطة تاريخ زراعة قصب السكّر

صارت هذه الصناعة في القرن التاسع هي عماد الاقتصاد الإقريطي وما اشتهر عن الجزيرة حول المتوسّط، وزادت فيه مصانع الجزيرة الابتكار والإبداع حتّى صارت بين أيدينا كلّ أصناف حلويّات السكاكر الشائعة اليوم. وانتشرت أكاديميّاتها ومختبراتها في جزيرة كريت، تتفوّق على كلّ الدول غيرها. وانتشرت تسمية هذا الصنف من الحلويّات حول العالم من اسمه العربي {سُكّر قندي} الذي دخل اللّغة الإيطاليّة أوّلاً بصيغة candi ثمّ الفرنسيّة çucre candi ثمّ الإنگليزيّة في القرن 13 candy (15).

يُعتقد أن تسمية البنادقة لجزيرة كريت بمملكة قنديّة Regno di Candia هو تحوير للتسمية اليونانية لمدينة الخندق، العاصمة الإقريطيّة، حين لفظنها {هانداكس} Χάνδαξ. غير أنّ هذا غير واقعي. إنّما نالت {إمارة إقريطش} تسميتها مملكة قنديّة نسبة إلى القَنْدُ وهو عسل قصب السكر. يقال: سويق مَقْنودٌ ومُقَنَّدٌ. (~الصّحّاح في اللّغة) وهو المنتج الذي تخصّصت به الجزيرة في العهد العربي فيها (16).

إلى جانب حلويّات القند، تاجرت {إمارة إقريطش} بزيت الزيتون وبجبن الحلّوم، وبالسلاح ولا سيّما الشامي (السيف الدمشقي)، وبالمماليك الصقالبة (17)؛ ما يعني اشتغالها بدعم العديد من جيوش المتوسّط. وكانت أحد مصادر دخل الإمارة هي حماية السفن التجاريّة العابرة للبحر المتوسّط من القرصنة. عموماً، كانت الإمارة دولة شديدة التنظيم، على ذات خطّ التطوّر الأندلسيّ، وشديدة الثراء، مع شبكة تجاريّة بحريّة واسعة في أنحاء العالم.

توسّعت أملاك {إمارة إقريطش} حتّى وصلت قواعدهم العسكرية حتّى الحدود البحرية لمدينة القسطنطينيّة. وحكموا مدينة أثينا اليونانية نفسها حتّى سنة 902 م. كما ساهمت الإمارة بشكل فعّال في حرمان البيزنطيّين من الاستفادة من البحر المتوسّط، من طريق دعم القرصنة البحرية التي استهدفت السفن البيزنطيّة والأندلسيّة على السواء. وكانت البحريّة الإقريطيّة قد نجحت بالتحالف مع البحريّة الشاميّة والمغربيّة (18) بتدمير الأسطول العسكري البيزنطي ثلاث مرّات على الأقل. ما فتح لها حكم بحر إيجة بالمطلق.

خلال حياة {الدولة الحمدانيّة}، سواء الماردينيّة أو الموصليّة أو الحلبيّة، تنامى التحالف الإقريطي-السوري حتّى فتحت {إمارة إقريطش} موانئها مراح للأساطيل الحمدانيّة تستعملها وترتاح فيها ما شاءت، دون مقابل. كما أنّ السفن الحمدانيّة كانت تزوّد الموانئ الإقريطيّة بالمماليك الصقالبة باستمرار.

بكلّ حال، اعتباراً من السنوات التي تلت سنة 930 م ضيّقت بحريّة إقريطش على البيزنطيّين حدّ الاختناق، فسيّرت القسطنطينيّة عدّة حملات على كريت، هُزمت جميعاً عداً الأخيرة. حين نجح الجيش البيزنطي بالنزول على الجزيرة سنة 961؛ وفرض حصار خانق على العاصمة {الخندق} دام سنة كاملة، تمكّن البيزنطيّين في نهايته من اختراق دفاعات المدينة، فنهبنها ودمّرنها وسبوا أهلها وقتّلوهم، وباعوهم عبيداً في مختلف أنحاء الدولة البيزنطيّة. أمّا المدينة فقد مُسحت ركاماً بالكامل ولم يبق منها أثر. لذلك فمدينة إيراكليو المعاصرة هي التي بناها البيزنطيّون لاحقاً على أنقاض {الخندق} القديمة، خلال القرنين التاليين، قبل انتقال ملكية الجزيرة إلى البنادقة، وليس فيها أثر من {الخندق} القديمة.

من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. تعذيب المسلمين من أهل كريت بالشنق والتصليب والغلي وجعلهم أهداف تدرّب على الرماية، لإجبارهم على التحوّل إلى المسيحيّة.
من رسومات المؤرّخ {يونس الصقلّي} Ioannes Scyllitzes من القرن 11. تعذيب المسلمين من أهل كريت بالشنق والتصليب والغلي وجعلهم أهداف تدرّب على الرماية، لإجبارهم على التحوّل إلى المسيحيّة.

تشير تدوينات الإغريق المعاصرة لحرب سنة 961 استغراب البيزنطيّين من دعم من لقّبوهم بـ{مسيحيّي الكهوف والجبال} للمسلمين، حين حاولوا جهدهم مهاجمة القوّات البيزنطيّة لفكّ الحصار عن {الخندق}، وكذلك مساعيهم لإيصال الإمدادات الغذائية إلى داخل المدينة. من جهة أخرى أجبرت الدولة البيزنطيّة كل مسلمي كريت على التحول إلى المسيحيّة أو ترك الجزيرة. 

وكان منهم الأمير {النعمان بن عبد العزيز بن شعيب بن عمر القرطبي} الذي تنصّر تحت اسم أنيماس، وصار من قوات الحرس الإمبراطوري، بينما مات أبوه معتقلاً رافضاً التحوّل عن الإسلام. ثمّ شارك الأمير في حرب البيزنطيّة على {روس كييڤ} سنة 971. بقيت سلالة هذا الأمير من أثرياء بيزنطة، وبرز اسمها في مواقع قياديّة بين أرستقراطيّات البيزنطيّين في القرنين 11 و 12، وامتدّ حضورها حتى القرن 15 حين اشتغل أحد آخر أشهر أفرادها في منصب {ضابط كنسي} χαρτοφύλαξ لجزيرة {إمبروس} من سنة 1407 حتّى وفاته (19). ولم تزل سلالته تعيش في اليونان إلى اليوم تحت اسم أنيماس Ἀνεμᾶς.

بعد دمار مدينة الخندق وبسبب ضغوط البيزنطيّين على سكّان جزيرة كريت، نزحت صناعة القندي الإقريطيّة عنها إلى مواطن جديدة، كانت أهمّها منطقة سيليزيا Schläsing (شليزيچ) الواقعة اليوم في پولاندا، بالإضافة إلى لومبارديا وفرنسا. ولا يسجّل التاريخ نزوح صناعات إقريطش صوب المشرق ولو أنّ هذا منطقي بسبب العلاقات القويّة التي ربطت هذه البلاد. ازدهرت صناعة القندي الإقريطيّ في سيليزيا بشكل كبير، حتّى صارت أهمّ صادرات المنطقة، هكذا إلى أن دمّرتها مجريات الحرب العالميّة الثانية، فنزحت الصناعة منها إلى إسپانيا.

المراجع:

1 Confectionery Market Size, Share & Trends Analysis Report By Product (Chocolate, Sugar Confectionery, Cookies, Ice Cream), By Distribution Channel (Offline, Online), By Region, And Segment Forecasts, 2022 – 2028

2 ياقوت الحموي، معجم البلدان. المجلّد الأوّل، باب الهمزة والقاف وما يليها. صفحة 236.

3 Canard, M. (1971). “Iḳrīṭis̲h̲”. In Lewis, B.; Ménage, V. L.; Pellat, Ch. & Schacht, J. (eds.). The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Volume III: H–Iram. Leiden: E. J. Brill. pp. 1082–1086.

4 ابن عذاري, أبو العباس أحمد بن محمد (1980)، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، دار الثقافة، بيروت. صـ71.

5 Miles, George C. (1964). “Byzantium and the Arabs: Relations in Crete and the Aegean Area”. Dumbarton Oaks Papers. 18: 1–32. doi:10.2307/1291204.

6 Christides, Vassilios (1981). “The Raids of the Moslems of Crete in the Aegean Sea: Piracy and Conquest”. Byzantion. 51: 76–111.

7 Makrypoulias, Christos G. (2000). “Byzantine Expeditions against the Emirate of Crete c. 825–949”. Graeco-Arabica. 7–8: 347–362.

8 Treadgold, Warren (1988). The Byzantine Revival, 780–842. Stanford, California: Stanford University Press. p. 254

9 Makrypoulias, Christos G. (2000). “Byzantine Expeditions against the Emirate of Crete c. 825–949”. Graeco-Arabica. 7–8: 347–362.

10 Christides, Vassilios (1981). “The Raids of the Moslems of Crete in the Aegean Sea: Piracy and Conquest”. Byzantion. 51: p. 98.

11 Christides, Vassilios (1984). The Conquest of Crete by the Arabs (ca. 824): A Turning Point in the Struggle between Byzantium and Islam. Academy of Athens. pp. 116–118

12 The Sugar Cane Industry: An Historical Geography from its Origins to 1914, by J.H. Galloway, year 1989, page 24.

13 Ponting, Clive (2000). World History: A New Perspective. London: Chatto & Windus. p. 353.

14 Watson, Andrew. Agricultural innovation in the early Islamic world. Cambridge University Press. p. 26–7.

15 “Sugarcane: Saccharum Officinarum” (PDF). USAID, Govt of the United States. 2006. p. 1 (Chapter 7).

16 “Candy”. Online Etymological Dictionary.

17 Canard, M. (1971). “Iḳrīṭis̲h̲”. In Lewis, B.; Ménage, V. L.; Pellat, Ch. & Schacht, J. (eds.). The Encyclopaedia of Islam, New Edition, Volume III: H–Iram. Leiden: E. J. Brill. p. 1083

18 Miles, George C. (1964). “Byzantium and the Arabs: Relations in Crete and the Aegean Area”. Dumbarton Oaks Papers. 18: 1–32. doi:10.2307/1291204. JSTOR 1291204. pp. 6–8

19 Trapp, Erich; Beyer, Hans-Veit; Walther, Rainer; Sturm-Schnabl, Katja; Kislinger, Ewald; Leontiadis, Ioannis; Kaplaneres, Sokrates (1976–1996). Prosopographisches Lexikon der Palaiologenzeit (in German). Vienna: Verlag der Österreichischen Akademie der Wissenschaften. 975. Ἀνεμᾶς Θεόδωρος.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s