إتيمولوجي, البلاد العربية, تاريخ, خرائط

أرض العرب المبتورة وأديان عربيّة

أمس، تعلّمت من تعليقات على منشوري على فيسبوك عن أديان عربيّة تنتشر بين شعوب العالم ولأوّل مرّة أنّ مناهج بعض المدارس الحكوميّة العربيّة تعلّم طلّابها أنّ شبه الجزيرة العربيّة تبدأ شمالاً من نهاية الحدود السياسيّة للعراق والمملكة الأردنيّة. أي أنّ الدول المصنّفة ضمن بلاد الشام أو الهلال الخصيب هي دول خارج شبه الجزيرة العربيّة وفق هذا التصنيف. وفوجئت بصراحة فما ظننت أنّ مدرسة عربيّة تقوم بتدريس هذه المعلومات غير الصحيحة. ثمّ توجّهت إلى ويكيپيديا وفعلاً، كالعادة، وجدتها تتحدّث بذات التصنيف.

برأيي، كما قام الپيداغوجي الألماني {لودڤيگ شلوتسير} باختراع تسمية {لغات ساميّة} فقط لأنّه لم يقدر على تقبّل فكرة قِدم اللّغة العربيّة في عمق التاريخ، ولم يتقبّل أنّ لغات الحضارات القديمة في المشرق هي لهجات تنتمي جميعاً إلى النسخة الأحدث منها: اللّغة العربية. كذلك قام مسيحي أوروپي غيره باختراع خط وهمي يفصل شمال شبه الجزيرة العربية عن جنوبيها، لعزل “العرب” وفق المفهوم الغربي عن عواصم الحضارات القديمة، وكذلك عن مهاد الأديان القديمة، اليهودية والمسيحية، وكلّ المراد هو القول بأنّ الإسلام لا يمتّ بصلة إلى أسلافه الإبراهيميّة، وأنّ لا علاقة للعرب القدامى بالمسيحية ولا باليهودية، وبالتالي هي أديان غير عربية، سلبها العرب أرضها الأم! هذا بالضبط هو هراء الاستعلاء الأوروپي في القرن 19، والعائد بجذوره إلى القرن 11.

لا أعرف من هو مخترع هذا التعريف الجديد لشبه الجزيرة العربية، الذي يبتر عنها الشام والعراق، لكنّ أقدم ما عثرت عليه، وأكثر ما وجدته مذكوراً كمصدر في الأبحاث والمقالات، هو معجم أميركي من القرن 19 يعرّف {شبه الجزيرة العربية} بأنّها الأرض العربيّة الممتدّة ما بين خط عرض 32° شمال وخط عرض 12° شمال. وهذا يحصرها فعلاً ما بين بحر العرب وحدود المملكة الأردنية المعاصرة. لكن، كيف يكون هذا التعريف صحيحاً إلا كانت المملكة الأردنيّة كلّها حديثة الوجود، ونتيجة للاحتلال البريطاني، ولترسيم حدود ما بين مملكة هاشميّة ومملكة سعوديّة. كلتيهن ما كان لهنّ وجود قبل مئة سنة. فكيف يعمّم هذا التعريف على التاريخ كلّه! وعلى تدوينات العرب القديمة كلّها. هذا لا يجوز.

المعجم الجغرافي الأميركي ابن القرن 19 هو معجم ميريام وبستر Merriam-Webster المنشور سنة 1831، والتعريف المذكور منشور في الصفحة 61 من الإصدار الثالث للجزء العاشر. وفي المعجم يعترف كاتبه بأنّ هذا التعريف لشبه الجزيرة العربية هو تعريف حديث، وأنّ التعريف القديم يشمل المناطق الشمالية، التي تضم كلّ الأراضي ما بين نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسّط. 

Arabian Peninsula or Arabia or Turkish Arabistan. Great peninsula of SW Asia, extending N and S between 12° and 32°N and 35° and 60°E; length (along Red Sea) ab. 1200 mi. (1930 km.), max. breadth (from S Yemen to NE Oman) 1300 mi. (2092 km.); ab. 1,000,000 sq. mi. (2,590,000 sq. km.). 

In early times divided into: Arabia Petraea, the NW part incl. Sinai Peninsula (not part of modern Arabian Peninsula), the only part ever conquered, which became a Roman province; Arabia Deserta, the N part between Syria and Mesopotamia; Arabia Felix the main part of the peninsula, but by some geographers restricted to that part of Yemen formerly comprising the Yemen Arab Republic. Bounded on N by Jordan and Iraq, on E by Persian Gulf and Gulf of Oman, on SE by the Arabian Sea, on S by the Gulf of Aden, on W by the Red Sea; fertile in some coastal regions, but arid plateau in its central part; no rivers, but many short wadis; important oil-producing region.

Political divisions: Bahrain (islands in Persian Gulf), Kuwait, Oman, Qatar, Saudi Arabia, United Arab Emirates, Yemen.

History: Seat of little-known southern Minaean and Sabaean kingdoms in first millennium B.C.; invaded or crossed by Assyrians, Hebrews, and at different times by Romans; part held by Persians 575 A.D.; before Muḥammad, occupied by Semitic tribes; consolidation begun by Muḥammad and extended after his death 632; center of orthodox caliphate 632-661; under Umayyad Caliphate, ruled from Damascus 661-750; lapsed into tribal warfare following Muslim disintegration in 8th cent.; dominated by Karmathians in 10th cent.; in general dominated by Mamlūks and after 1517 by the Ottoman Turks but subdivisions of Al-Hasa, Oman, Yemen, and Nejd were practically independent; influenced by rise of Wahhabi movement centered in Nejd which organized resistance against the Turks (18th-19th cents.); reconquered for Turks by Egyptian Muḥammad Ali Pasha 1811-20; Wahhabi empire reestablished 1843-65; internally divided between tribes and sects (see HEJAZ and NEJD); in revolt against Turks 1916; resistance directed by British Col. T.E. Lawrence (Lawrence of Arabia) 1917; gradual consolidation by 1932 of Saudi Arabia under its founder Ibn Sa‘ūd; for recent history, see individual states.


Merriam-Webster’s Geographical Dictionary, Volume 10. By Daniel J. Hopkins

في الواقع، أطلق العرب قديماً على بلادهم الأم اسم جزيرة العرب أو شبه الجزيرة العربيّة لأنّها محاطة فعلاً بالماء من كلّ حدب. ولا يوجد معبر يابس شمالاً خارج هذه الأرض سوى منطقة بعرض 140 كلم تقع اليوم جنوب تركيا ما بين نهريّ الفرات وجيحان. هذا يعني أنّ شبه الجزيرة العربيّة أو جزيرة العرب أرض تمتدّ من ديار بكر شمالاً حتّى بحر العرب جنوباً، ومن نهر دجلة شرقاً حتّى قناة السويس غرباً. وفي معجم ميريام وبستر الجغرافي يعترف المؤلّف بأنّ التعريف القديم لشبه الجزيرة العربية يشمل على شبه جزيرة سيناء في جغرافيّته.

خارطة شبه الجزيرة العربيّة في مقارنة مع العربيّة حَسَبَ نصوص إيرودوتوس من القرن 5 ق.م
خارطة شبه الجزيرة العربيّة في مقارنة مع العربيّة حَسَبَ نصوص إيرودوتوس من القرن 5 ق.م

الماء الذي يحيط بشبه الجزيرة العربية أو جزيرة العرب هو بحر العرب من الجنوب، ثمّ الخليج العربي، ثمّ نهر دجلة، ثم نهر جيحون، ثمّ البحر الأبيض المتوسّط، ثمّ البحر الأحمر. ولو قامت تركيا اليوم بحفر قناة بطول 140 كلم تربط نهر جيحون بنهر الفرات، لصارت شبه الجزيرة العربيّة جزيرة فعلاً، بوجود قناة السويس على الغرب.

نهر جيحون جنوب الجمهورية التركية
نهر جيحون جنوب الجمهورية التركية

في كتابه {التواريخ}، يذكر إيرودوتوس Ἡρόδοτος (هيرودت) شبه الجزيرة العربيّة كمكان أو دولة موحّدة على ما يبدو تتمتّع بالقوّة الكافية للبقاء مستقلّة عن الإمبراطوريّة الأخمينيّة، ولو أنّها في حلفها، وكان هيرودت آنذاك موظّفاً حكوميّاً في إمارة ثُوريّة Θούριοι؛ كالابريا في زمننا المعاصر. وبحسب نصوص إيرودوتوس، فإنّ {الجزيرة العربيّة} هي المساحة الجغرافية المحصورة ما بين أرمينيا (أياستان) ودجلة والخليج العربيّ وبحر العرب والبحر الأحمر والنيل مروراً بالساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى هضبة الأناضول. 

لمّا قدّمت هذا الكلام أمس نالني البعض بالسخريّة، وهذا غريب. أنا لم أكن حيّاً في القرن الخامس قبل الميلاد، ولم أقم بتلقين إيرودوتوس هذا الكلام، ولا حاضرت في ندوتها حضرها بالمصادفة. إنّما الواقع أنّني نقلت كلام من يحمل لقب أبو التاريخ، مؤرّخ وجغرافي إغريقي، غير عربي، الذي ترك لنا موسوعة باسم {إستوريّه} Ἱστορίαι من أكثر من 2500 سنة مضت، صاغت عنا العرب كلمة أسطورة، وصاغ عنها اللاتين كلمة هيستوري History.

هذا لا ينفي وجود العرب خارج هذه الحدود في زمن إيرودوتوس في القرن الخامس قبل الميلاد، غير أنّه يشير إلى مملكة أو دولة ذات كيان مستقل باسم العربيّة، محاطة بالماء من كلّ جانب. وهذه هي النقطة المهمّة هنا. انظر الخارطة. لوّنت {العربيّة} وفق إيرودوتوس باللّون الأحمر، وأشرت إلى أهمّ المدن المعاصرة التي تساعد على توضيح الحدود. ووضعت خطّاً أزرق حول المنطقة المعروفة في جغرافيا اليوم باسم شبه الجزيرة العربيّة أو جزيرة العرب.

الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة هي اليوم أكثر الأديان انتشاراً في أنحاء العالم من ناحية المساحة. كلّها أديان عربيّة خرجت من شبه الجزيرة العربيّة. لم تنشأ في أيّ مكان غيرها. عاش أنبياؤها على أرض شبه الجزيرة العربية، وفي عهود دول عاشت حدودها وعواصمها داخل شبه الجزيرة العربية، وتُداولت لغاتها الأولى وكُتبت النسخ الأولى من كتبها المقدّسة داخل شبه الجزيرة العربيّة وبلغات خرجت من شبه الجزيرة العربية، لم تأت من خارجها.

تحتفي دول العالم بحوالي 2 مليار مسلم أغلبهم في الدول باللّون الأحمر.

نسبة المسلمين إلى شعوب دول العالم
نسبة المسلمين إلى شعوب دول العالم

وكذلك بحوالي 2 مليار مسيحي أغلبهم في الدول باللّون القرمزي.

نسبة المسيحيّين إلى شعوب العالم
نسبة المسيحيّين إلى شعوب العالم

وكذلك بحوالي 14,8 مليون يهودي أكثر من نصفهم في الولايات المتّحدة الأميركية، ويشكّلون فيها ما نسبته 1,9٪ من سكّان الاتّحاد، أغلبهم في نيويورك.

نسبة اليهود في دول العالم إلى مجموع أتباع الديانة اليهودية حول العالم.
نسبة اليهود في دول العالم إلى مجموع أتباع الديانة اليهودية حول العالم.

أكثر من 4 مليار إنسان في هذا العالم يعتنقون أدياناً هي من تراث شبه الجزيرة العربيّة.

نسبة أتباع الأديان العربيّة في دول العالم
نسبة أتباع الأديان العربيّة في دول العالم

رسمت الخرائط بناء على بيانات مراكز دراسات أسماءها موضّحة تحت كلّ خارطة.

فظيع مستوى التشويه في الهويّة العربيّة وتاريخها، تشويه واصل إلى عمق إقناع أجيال من العرب ببتر جزء مهم من موطنهم الأم، وتقسيم شبه الجزيرة العربية نفسها وفصل قسمها الشمالي عنها. مهد أكثر الأديان تأثيراً في عصرنا الحديث. وتحيّة إلى آبائنا العرب، أصحاب الأديان الأكثر تأثيراً في عالم اليوم.

الإعلان

4 رأي حول “أرض العرب المبتورة وأديان عربيّة”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s