أحد أشهر الأسماء العربيّة في عصرنا من أسماء الذكور اسم {أحمد}، وسبب شهرته عقب انتشار الإسلام ربّما؛ يعود إلى وروده في الآية 6 من سورة الصف {اسْمُهُ أَحْمَدُ}، وهذا لا ينفي تداول العرب اسم أحمد قبل الإسلام. اعتبر المسلمون أنّ {أَحْمَدُ} المذكور في سورة الصف هو الرسول محمّد نفسه، رسول الإسلام، ما نشر اسمه بسرعة بين أسماء المواليد الجدد. وهذه رحلة نتمشّى فيها عبر التراث بين معاني هذا الاسم الجميل.
في الآية 6 من سورة الصف نقرأ {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}… في القرن الثامن؛ يقول المؤرّخ والنسّاب الحجازي {محمّد بن إسحاق بن يسار المدني} في كتابه {السيرة النبويّة} {والمنحمنا بالسريانيّة: {محمّد}: وهو بالروميّة: {البرقليطس}، صلّى الله عليه وآله وسلم}. وهكذا انتهى الأمر إلى أن صار الربط ما بين {الفارقليط} و{أحمد} قطعة مركزيّة في التقليد الإسلامي، باعتماد تأويل ابن يسار.

في الربع الأوّل القرن السابع وقعت معركة فتح خيبر، عاصمة اليهود من طيء. وقد ورد في ذكرها الكثير من القصائد الشعريّة، ومنها ما قاله في وصف ذلك اليوم الشاعر الملقّب بشاعر الإسلام {كعب بن مالك الأنصاري السلمي}:
ونحن وردنا خيبرا وفروضه بكلّ فتى عاري الأشاجع مذود جواد لدى الغايات لا واهن القوى جريء على الأعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة ضروب بنصل المشرفي المهنّد يرى القتل مدحاً إن أصاب شهادة من الله يرجوها وفوزاً بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمّد ويدفع عنه باللّسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه يجود بنفس دون نفس محمّد يصدّق بالأنباء بالغيب مخلصا يريد بذاك الفوز والعزّ في غد
ومصدر هذه الأبيات هو الصفحة 349 من كتاب {السيرة النبويّة}، من تأليف {عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري} في مطلع القرن التاسع. ونرى كيف ورد في هذه الأبيات اسمي {أحمد} و {محمّد} في مواضع مميّزة، وقد أجمع المفسّرون على أنّ كلمة أحمد الواردة في الرابع هي شكل آخر لاسم محمّد الوارد في مواضع غيرها. لكن، يقترح بعض اللغويّين إلى أنّه وبينما تشير كلمة {محمّد} إلى اسم علم، غير أنّ كلمة {أحمد} في قصيدة كعب بن مالك قد تشير إلى وصف حالة، لا إلى اسم علم.
في الصحّاح في اللّغة يرد عن {الجوهري} معنى كلمة {أَحْمَدُ} بمعنى {أفضل}، رغم أنّه لا يفصِل باباً لكلمة أحمد. ويستشهد ببيت شعر لِـ{مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ} جاء فيه:
جَزَيْنا بَني شَيْبانَ أمسِ بقَرْضِهِمْ وجِئْنا بمثل البَدْءِ والعَوْدُ أَحْمَدُ
ويشرح {الفيروزآبادي} بيت الشعر هذا فيقول {و”العَوْدُ أحمدُ”، أي: أكْثَرُ حَمْداً، لأِنَّكَ لا تَعودُ إلى الشيءِ غالِباً إلاَّ بعدَ خِبْرَتِهِ. أو معناهُ، أنَّهُ إذا ابْتَدَأَ المعْروفَ جَلَبَ الْحَمْدَ لنفْسه، فإذا عاد كانَ أحمدَ أي: أكْسَبَ للحَمْدِ له، أو هو أفْعَلُ من المفْعولِ، أي: الابْتِداءُ. محمودٌ، والعَوْدُ أحَقُّ بأن يَحْمَدوهُ}.
ووفق هذا الشرح من {الفيروزآبادي} يكون المقصد من قول كعب بن مالك {من الله يرجوها وفوزاً بأحمد}: من الله يرجوها وفوزاً بالأفضل، أو الأكثر حمداً.

ويعود بعض الباحثين إلى أنّ اسم {محمّد بن عبدالله} نفسه ما كان اسماً لنبيّ الإسلام، إنّما هو صفة ولقب له ناله بعد نزول الوحي أو بعد الهجرة إلى يثرب المدينة المنوّرة، أمّا اسمه آن ولادته فكان {قثم بن عبداللات}. ومن هؤلاء مثلاً الباحث التونسي {هشام جعيط} الذي قال في كتابه {تاريخية الدعوة المحمّديّة في مكّة} ويمكن مراجعة قراءة نقديّة في طرج الأستاذ جعيط بنقرة هنا.
في {مقاييس اللّغة} يفصِل {ابن فارس} باباً باسم {حمد} ويقول في مطلعه: {الحاء والميم والدال كلمةٌ واحدة وأصلٌ واحد يدلّ على خلاف الذمّ. يقال حَمِدْتُ فلاناً أحْمَدُه.} ثمّ يتابع في الصفات فيقول {ورجل محمود ومحمّد، إذا كثُرت خصاله المحمودة غيرُ المذمومة.} … {ويقال أحمَدْتُ فلاناً، إذا وجدتَه محموداً} أي صرّحت بخصاله الجيّدة ومدحت فيه. ويستشهد {ابن فارس} ببيت شعر نقله عن {أعشى قيس}، قاله الأعشى في القرن السادس يمدح فيه ملك المناذرة اللّخمي {النعمان بن المنذر بن امرئ القيس}:
إليك أبيتَ اللّعنَ كانَ كَلاَلُها إلى الماجد الفَرْعِ الجَوادِ المُحَمَّدِ
وعليه فإنّ كلمات {أحمد} و {محمّد} و {محمود} كلّها صفات بذات المعنى، يُمدح بها الرجل إذا طابت سمعته. فالـ{أحمد} هو أكثر من ينال مدحاً من الناس، و{المحمّد} هو المخضّب بمديح الناس، و{المحمود} هو من طابت سيرته في كلّ مجلس.
يقول {الفيروزآبادي} في {القاموس المحيط}: {وأحْمَدَ: صارَ أمْرُهُ إلى الحَمْدِ، أو فَعَلَ ما يُحْمَدُ عليه} … {وأحْمَدُ إليك اللّهَ: أشْكُرُهُ.}. ويشرح {الفيروزآبادي} أنّ العرب {سَمَّتْ أحمدَ وحامِداً وحَمَّاداً وحَميداً وحُمَيْداً وحَمْداً وحَمْدونَ وحَمْدِينَ وحَمْدانَ وحَمْدَى وحَمُّوداً، كتَنُّورٍ، وحَمْدَوَيْهِ. ويَحْمَدُ، كيَمْنَعُ، وكيُعْلِمُ، آتي أعْلَم: أبو قبيلةٍ، ج: اليَحامِدُ.} وبهذا عدّد كلّ أشكال أسماء الأعلام التي استنبطها العرب من ذات الجذر، الذي هو {حَ-مَ-دَ}.
كلّ هذه الأسماء تصاريف من المعنى الأوّل، الذي تحمله في بطنها، وهو: الحمد = الشكر والثناء. فالحمد لله تعني ببساطة الشكر والثناء لله.
الأحمد هو الأشكر، وليس من يُثني بالشكر إنّما من يناله.
المحمّد هو المشكّر، أي الذي كثر الشكر والمدح فيه.
في معجم اللّغوي الألماني-البريطاني {فرانسس يوسف شتاينگس} Francis Joseph Steingass: The Student’s Arabic–English Dictionary يرد شرح كلمة أحمد كما يلي: {لإظهار نفسه جدير بالثناء، للبحث عن الخير، للبحث عن الثناء، للموافقة على شيء ما، لتكون مسروراً من، لتكون جديراً بالشكر، لتكون لطيفاً.
في معجم المستعرب الألماني {هانز ڤِير} Hans Wehr: A Dictionary of Modern Written Arabic يرد شرح كلمة أحمد كما يلي: {أحمد مصدر حميد، جدير أكثر بالثناء، الأكثر جدارة بالثناء، الأجدر بالحمد}.

في المقابل، وعلى علمي، لم يُعثر في النقوش المسنديّة القديمة على نقش يحوي اسم {أحمد}. لكن، عثر الآثاريّون حتّى اليوم على ستّ نقوش تحوي اسم {محمّد} كاسم علم. وهذه النقوش هي بالحرف:
نقش Ja 738. ونصّه كما يلي:
ي ح م د | و أ خ ي ه و | م ح م د م | و ب ن ي ه و | ح ي و | ع ث ت ر
وتفصيحه: يحمد وأخيه محمّد وابنه حيّو عثتر
مصدر النقش معبد أوام في مأرب
نقش CIH 353. ونصّه كما يلي:
و س ع د ت ا ل ب | ي ه ش ع | و ب ن ي ه م و | م ح م د
وتفصيحه: وسعد تألب يهشع وبنيهمو محمد
مصدر النقش ريدة في محافظة عمران
نقش جام 644. ونصّه كما يلي:
ه ج ر ن | م ر ي ب | و أ و س | ا ل م ح م د | م ق م | ا ل م ق ه | ب ع ل | ا و م
وتفصيحه: مدينة مأرب وأوس المحمّد مقام المقه بعل اوام
المقه هو معبود سبأ وحِمْيَر وأهل اليمن
اوم اسم المعبد
نقش SOYCE 601. ونصّه كما يلي:
ا ل | و سَ ق | م ح م د | ر ح ب ن
وتفصيحه: آل وساق محمّد رحبان
مصدر النقش حضرموت
نقش CIH 420. ونصّه كما يلي:
نفس محمد بن ذات وسعت
مصدر النقش مأرب
نقش Ry 574. ونصّه كما يلي:
ص و ر | م ح م د | ب ن | و س ع ت
وتفصيحه: صورة محمّد بن وسعت
مصدر النقش مأرب
وتكون الخلاصة هكذا أنّه بينما تكون {محمّد} اسم علم قديم فعلاً بمعنى {المخضّب بمديح الناس}. فإنّ {أحمد} هي صفة تعني {أكثر من ينال مدحاً من الناس} أو {الأكثر مدحاً}، صارت من بعد القرن الثامن ربّما تُستعمل اسم علم بين العرب.

ولاسم أحمد الكثير من الألحان في لغات الأمم المختلفة، منها مثلاً:
- أحْمَد و أحماد و حْماد في العربيّة الشاميّة.
- أحْمَد و أحْمَت في العربيّة المصريّة.
- حْمَد في العربيّة المغربيّة.
- حَمَد في بعض اللّهجات العربيّة الأزديّة واليمانيّة.
- أخمِد Axmed في الصوماليّة.
- أحمود في بعض اللّهجات الفارسيّة.
- أهمود আহমদ في البنغاليّة.
- إحمِد و إحميد Ehmed في الكرديّة الشمالية وفي لغة الظاظا.
- آهمِت Ahmet في التركيّة الأناضوليّة.
- آخمىت Αχμέτ في اليونانيّة.
- إىهمىد Əhməd في التركيّة الأذربايجانيّة.
- أخمِت Ахмет في التركيّة القازاقيّة والأوزبكيّة. وحرفه الأصلي {احمەت}.
- أهمد ئەھمەد في التركية الأويغوريّة (في تركستان الشرقيّة في الصين المعاصرة).
- آهمىد Ahmed في الإنگليزية، ويُلفظ كذلك آخماد.
- أخمَد Achmed,و أخميت Achmet و آمَد Ahmad,و آمِت Ahmet في الألمانية.
- أخمَد Achmad في الهولاندية ويلفظنه كذله أخمىد Achmed.
- آمىدو アーメド في اليابانية.

ومن أعلام اسم أحمد:
- من القرن 8: {أبو علي أحمد بن عمر بن رسته الأصفهاني}. جغرافي في الدولة السامانية. وهو أوّل جغرافي في العالم عرّف الجزر البريطانيّة، وأوّل من قدّم في تاريخ الترك قبل تسميتهم بالترك.
- من القرن 9: {أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر الماروزي} الكاتب الملقب بإبن طيفور، وهو مؤرّخ وأديب بغدادي في الدولة العبّاسية.
- من القرن 10: {أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري}، هو عالم في تفسير القرآن في الدولة السامانية.
- من القرن 11: {أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل الخازن البغدادي}، الشهير بلقب ابن الخازن الكاتب، هو شاعر وخطّاط بغدادي في الدولة العبّاسية.
- من القرن 12: {أبو الفتوح أحمد الغَزالي}، وهو أخو الإمام أبي حامد الغزالي، وأحمد أديب شاعر طوسي في الدولة السلجوقية، وهو من أساتذة المدرسة النظامية في طوس.
- من القرن 13: {شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء بن أبي الخطاب بن محمد بن الهزبر الربعي الموصلي الجندي بن الحلاوي}، هو شاعر موصلي في الدولة العبّاسية.
- من القرن 14: {تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ}. الشهير بلقب ابن تيميَّة. وهو فقيه إسلامي في الدولة المملوكية المصرية، حمل لقب شيخ الإسلام، وألبست مؤلّفاته وآراءه شكل الإسلام السنّي في عهد الخلافة العبّاسيّة الرابعة في القاهرة.
- من القرن 15: {شهاب الدين أحمد بن الحسين بن محمد المكّي} المعروف بابن العُلَيْفِ المَكّيُّ. الشهير بلقب شاعر البطحاء، شاعر حجازي في الدولة المملوكية\العثمانية.
- من القرن 16: {أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي}. وهو فقيه إسلامي من الدولة المملوكية\العثمانية، وحمل كذلك لقب شيخ الإسلام.