في دول المغرب العربي يسمّى الخزف المزجّج زليج. وهو كما نعرف عن الخزف المزجّج ببساطة، بلاط من الفخّار الصلصالي مطليّ بالزجاج. لكنّ كلمة زليج المعاصرة تحمل في معانيها معان أوسع وأعمق من التعبير عن السيراميك فقط، لما تتضمّنه من فنون الفسيفساء والتوريق العربي والزخارف الإسلاميّة. أمّا تسمية الخزف المزجّج في عربية المشرق العربي فهي الصقيل.
- اختُرع الخزف (الصقيل) من الفريت أوّلاً في مصر قبل نحو 6000 سنة.
- اختُرع الزجاج والتزجيج في منطقة الجزيرة حين كانت تحت سلطة العرب الفنيقيّين قبل نحو 3500 سنة. فطبّقها المصريّون على الخزف.
- انتقلت تقنيّة التزجيج بالرماد المصريّة إلى الصين قبل نحو 3500 سنة، فوُلد البورسلان، فنّ الخزف الصيني.
- انتقلت تقنيّة التزجيج بالأزرق المصريّة إلى سمرقند وبابل قبل نحو 3500-3000 سنة، فوُلد فنّ الفسيفساء الزرقاء التركي والبابلي.
- أدخلت تونس تقنيّة التزجيج بالأزرق المصريّة في فنّ توريق الزخرفة الإسلاميّة قبل نحو 1100 سنة فوُلد فنّ الزليج المغاربي.
- في عهد خلافة الموحّدين تأسّست مدارس للزليج في مدن فاس ومراكش فتطوّر فيها الزليج المغربي، المعروف باسم الزليج الفاسي.
- في عهد خلافة الموحّدين كذلك انتقلت تقنية الزليج الفاسي إلى الأندلس فتطوّر عنها الزليج الأندلسي.
الزليج المغربي والصقيل الأزرق الأوزبكي، كليهم يعتمد في تشكيلاته على فهم عميق للحساب وعلوم الهندسة، وبحاجة إلى خبرات عالية في الكيمياء لتحويل الزيركوبيت (الزركون) إلى بلاطات خزفيّة لا تهرم. وإليك تفاصيل الحكاية.

اختُرع الخزف (السيراميك) أوّلاً في مصر قبل نحو 6000 سنة. لكنّه ما كان آنها مطليّاً بالزجاج، إنّما كان من الفريت؛ المصنوع من عجينة يُعجن فيها الصلصال بجريش أحجار الزجاج الطبيعي قبل صهره. ثمّ، حين تمكّن العرب الفنيقيّين، فيما هو اليوم الجزيرة وشمال غرب سوريا وجنوب تركيا؛ من صهر الرمل وصناعة الزجاج النقي قبل نحو 3500 سنة، استعملت مصر هذه التقنيّة لتزجيج أطباق وأدوات الفخّار بالطلاء. هنا وُلد الصقيل (الخزف المزجّج).

وفي نفس الفترة قبل نحو 3500 سنة اختُرعت في مصر تقنية التزجيج بالرماد، وهي التقنيّة المصريّة التي استوردتها أسرة شانگ چاو 商朝 في الصين وطوّرت فيها خلال خمس قرون لصناعة ما نعرفه اليوم بالخزف الصيني أو البورسلان. وهي تقنيّة لم تزل تستخدم أفران القمين المصريّة القديمة، حتّى اليوم.

وفي نفس الفترة قبل نحو 3500-3000 سنة انتقلت تقنيّة التزجيج العربيّة عبر طريق الحرير إلى مدينة مراقندة (سمرقند) حين كانت عاصمة لمملكة الصُغد القديمة، هذه التي أسّسها ربّما البابليّون أو الدولة الأسوريّة الثالثة في القرن الثامن قبل الميلاد، وعاشت نحو 1700 سنة ما بين القرن 6 ق.م حتّى 11 ب.م. لكنّ أهل ما هو أوزبكستان اليوم، ما اعتمدوا تقنية التزجيج بالرماد المصريّة، إنّما استعملوا التقنيّة التي سبقتها… التزجيج باللّون الذي يحمل اليوم تسميات عديدة، منها الأزرق الشامي، والأزرق المصري، والنيلي، والسيروليَن، وأزرق دمشق… ولو أنّه في الأساس ابن مدينة ثينيس المصريّة، لا دمشق.

في العراق يُعرف الخزف المزجّج الأزرق باسم الكاشي الكربلائي الذي تشتهر به مدينة كربلاء ويُستعمل بشكل خاص في المساجد والأضرحة الدينية. تسمية الكاشي تعود إلى اسم أستاذ هذا الفن في القرون الوسطى وحمل اسم الكاشاني نسبة إلى مدينة كاشان (كوشان) في أوزبكستان. لكنّ هذا الفن في العراق مذ عهد الدولة البابلية قبل 3500 سنة، وبوّابة عشتار المسروقة إلى برلين شاهد على خبرة العراقيّين بالخزف المزجّج بالأزرق منذ القِدم.

استعمل الصُغديّون تقنية الصقيل الأزرق لتزيين معابد عبادة القمر وعبادة تنگري (تنري)، ثمّ لاحقاً لتزيين المساجد الزرادشتيّة والميثرانيّة. وبعد تحوّل الصُغديّين إلى اليهوديّة ثمّ الإسلام زيّنت فسيفساء الصقيل الأزرق معابد اليهود ثم مساجد المسلمين، إلى جانب المؤسّسات الحكوميّة والتعليميّة. ونشأ هنا فنّ التوريق بالزخرفة الإسلاميّة الصُغديّة (أو التركستانيّة أو البخاريّة) الموازي في تركستان للزليج المغاربي في المغرب العربي.

في العهد الروماني والبيزنطي طوّر التوانسة تقنيّتهم الخاصّة لصناعة الفسيفساء بالخزف الصقيل بدلاً عن قطع الحجارة، وأطلقوا عليها تسمية الزليج. وهو تطوّر لفنّ الفسيفساء الذي برع فيه العرب منذ القدم، سواء على الضفّة النبطية أو الضفّة الپونيقية، وهذه من المراحل المهمة في تطوّر الزليج، قبل إدخال التزجيج بالأزرق في عالم الفنّ الإسلامي.
في القرن العاشر الميلادي وخلال حياة الدولة الفاطميّة في تونس، أدخل العرب تقنيّة الصقيل في توريق الزخارف الإسلاميّة على جدران قصور مدينة المنصوريّة، مدينة {المنصور بنصر الله إسماعيل بن محمد بن عبيد الله} وعاصمة الخلافة الفاطميّة. وأطلق المعماريّون التوانسة آنذاك هذا البلاط تسمية الزليج لأنّ القدم واليد تنزلج عليه فتنزلق بسرعة.

استعمل المعماريّون التوانسة تقنيّة الزليج على نطاق أوسع في أثناء بناء مدينة المهديّة، وأنشؤوا له المدارس التي حافظ عليها وعلى استمرارها أمراء الدولة الزيريّة، ثمّ استعمل الحمّاديّون في الجزائر تقنيّة الزليج في تزيين قلعتهم مطلع القرن 11… لاحقاً اعتنت خلافة الموحّدين بالزليج واعتمدته تقنيّة توريق في تزيين جميع المنشآت والأبنيّة الحكوميّة، الإداريّة والدينيّة، وأنشأت له المدارس في مدن فاس ومراكش، وما عادت كلمة زليج تعبّر عن سطح السيراميك المزجّج فقط، إنّما صارت تشير إلى نمط معيّن من الزخارف الإسلاميّة القائمة على الفسيفساء، الذي انتشر واستمرّ بالتطوّر في عموم مدن المغرب العربي والأندلس وغرب أفريقيا.

في المغرب الأقصى بدأت ألوان جديدة بالظهور في زخارف الزليج، كالأحمر والأصفر والأخضر الزاهي إلى جانب الألوان التي وصلت من تونس وفيها تدرّجات الأزرق والأخضر. والألوان الفاسيّة الجديدة ألوان حسّاسة وصعبة، ما كان من الممكن صناعتها لولا تطوير أفران جديدة خاصّة قادرة على خفض الحرارة والحفاظ على استقرارها إلى درجة منع احتراق فلزات معادن هذه الألوان.

الزليج المغربي والصقيل الأزرق الأوزبكي، كليهم يعتمد في تشكيلاته على فهم عميق للحساب وعلوم الهندسة، وبحاجة إلى خبرات عالية في الكيمياء لتحويل الزيركوبيت (الزركون) إلى بلاطات خزفيّة لا تهرم. وهذا مختصر حكاية الزليج.