النسخة الإنگليزية English edition
اعتمدت في كتابة تدوينتي هذه على تدوينة نشرها كريتي بجرچريّة سنة 2016 بعد مضيّ سنة على زلزال ضرب مدينته في نيپال، سرد فيه ما جرى في تلك السنة.
على قمم جبال الهملايا دولة صغيرة محصورة ما بين الصين والهند اسمها نيپال. وفي نيسان أبريل سنة 2015 ضرب نيپال زلزال مدمّر، يشبه ما أصاب تركيا وسوريا مؤخّراً. بدأ زلزال نيپال بقوّة 7,8 درجات، ثمّ تبعته هزّة أخرى بقوّة 6,7 درجات، كما حصل مؤخّراً بجبال جَنُوب تركيا. شرّدت تلك الهزّات حوالي 3,5 مليون إنسان، بعد أن قتلت 9000 وجرحت 22 ألف نيپالي.
بدا لكأنّ موت الآلاف رحمة لما عاناه الناس بعد ذلك الزلزال. تشرّد، شحّ بالخدمات الطبّيّة والصحّيّة بعد دمار المباني والمستشفيات. وفقدان لمياه الشرب! وهذه كانت أخطر المراحل.

نيپال ليست بلداً صحراوياً، إنّما هي على قمم جبال العالم، فيها وفرة بالخضرة والميّة (كما يقال في سوريا). لكن، بسبب الزلزال فقدت الكثير من المجتمعات موارد المياه النظيفة الصالحة للشرب، بعد اختلاط الآسن بالعذب. ثمّ أدّت السياسة دورها في إعاقة جهود الإغاثة والإعمار، طالما أنّ نيپال، هذا البلد الصغير، شريط رفيع تتزاحم عليه منازلات العملاقتين الصين والهند.
النيپالي كريتي بجرچريّة Krity Bajracharya شهد الزلزال، وروى الكثير من الأهوال التي وقعت في تلك الفترة. لكن، مع ذلك يقول كريتي {مهما كان الوضع، لم نستسلم أبداً}. فخلال الأيّام القليلة التالية للكارثة تتابعت الزلازل الخفيفة والهزّات الارتداديّة، فانتشرت الشائعات عن المزيد من الزلازل المدمّرة، ما أدّى إلى انتشار قلق منع عن الناس النوم ونشر موجات هلع أغرقت المستشفيات بحالات إجهاد ما بعد الصدمة.
يروي كريتي أنّ الناس ما استفاقت من هول الصدمة قبل أسبوعين من وقوع الزلزال. كان الهمّ الأوّل هو تأمين أسقف تأوي المشرّدين، والكثير من الناس تجمّعت في مباني المدارس، فصار التركيز على تأمين هذه المدارس وتيسير الخِدْمَات فيها، بعد أنّ مزّقت الزلازل تمديدات المياه والصرف الصحّي والكهرباء. كان الهمّ الأوّل هو الناجين وتأمين أحوالهم للحفاظ عليهم ناجين.
في بداية الأسبوع الثالث بعد الكارثة بدأ كريتي مع العديدين من الخبراء أمثاله بتنظيم ورشات تنشر الوعي بين الناس حول سلوكيّات المياه والصرف الصحّي وحساسيّة النظافة الصحّيّة، من مدرسة إلى مدرسة، وتثقيف زملائهم الناجين حول كيفية الحفاظ على النظافة والبقاء بصحّة جيّدة خلال تلك الأوقات الصعبة.
أدرك الناس أنّ المياه هي أهمّ ما في الموضوع، إذ أنّ تلوّثها سيعني انتشار الأمراض وتفاقم الكارثة إلى أكثر وأخطر من آثار هزّة أرضية.

لذا تآزر الناس على شراء وتركيب أنظمة تنقية المياه في كلّ مكان، في كلّ المدارس والبيوت، وصار الميسور يقدّم المال اللازم لتأمين عدّة منازل كأنّه يشتري لنفسه، طالما أنّه قادر ميسور. عقد الناس تكافلهم على أنّ يشرب كلّ النيپاليّين مياه نظيفة كي يقدروا على حلّ باقي المشكلات.
ثمّ، صُدم شعب نيپال بإغلاق الهند لحدودها مع نيپال ما أنتج حصاراً أوقف استيراد السلع الضرورية لإعادة البناء، مثل الوقود وموادّ البناء ومعدّاته… هذه الكارثة الثانية أدّت إلى شحّ بالوقود في بلد دمّر شبكة الكهرباء فيه زلزال، فأشعلت تنافساً ما بين الناس على الحصول على الوقود. ويقول كروتي أنّ الناس كانت وعقب الزلزال مترابطة متآزرة تساعد بعضها البعض، لكن أزمة الوقود باعدت بين الناس وأشعلت الخوف والأنانية، وهذه خطيئة الهند.
يقول كريتي مع تكاتف الشعب النيپالي وجهود وكالات الإغاثة الأخرى، بدأت المجتمعات في إعادة البناء. بعد عام من الكارثة وجدت العائلات مساكن جديدة، وعادت الحياة للبعض إلى طبيعتها، وهي حالة طبيعيّة. لكن، بالنسبة للكثيرين، كان الخوف من كارثة وشيكة يعيق تعافيهم. استمرّ الخوف على الحياة في قلوب الناس يصنع فيها توقّع وقوع زلزال جديدة، وتكرار المأساة. فحتّى بعد عام كامل لم تزل الناس تعيش كأنّها نجت من الزلزال أمس.
وحتّى بعد مضيّ عام، يقول كريتي، نحن بحاجة إلى مزيد من العمل على مصادر المياه لتحقيق تغطية كاملة لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية بنسبة 100٪ في جميع المدارس العامّة البالغ عددها 650 مدرسة في وادي كاتماندو. إذ تسعى المدارس لإعادة الطلّاب إلى المباني الدائمة مع إخراج النازحين منها؛ وهي عملية بطيئة تتوقّف على التمويل الحكومي، ومن المتوقّع أن تستغرق عامين إلى ثلاث أعوام.

ظروف المنطقة المتضرّرة في سوريا من زلزال مرعش لا تختلف كثيراً عن ظروف نيپال، سوى من جهة السماح لمنظّمات التدخّل السريع بدخول نيپال فوراً ودون إبطاء. عدد المشرّدين كبير والكارثة هائلة. ونرى كيف أنّ مضيّ سنة وضع الناس قريباً من إتمام الخطوة الأولى من التعافي، وما تمّت بعد. فهذه كوارث لا تتعاف الناس منها بسرعة، وتحتاج إلى وقت. لكن، يبقى الأهمّ هو التركيز على الحفاظ على الصحّة العامّة، فبدون صحّة لا يقدر الناس على حلّ أي مشكلة غيرها.
علينا إدراك أنّ المناطق التي تضربها زلازل تحتاج إلى سنوات من التعافي، حتّى في البلدان ذات الحكومات الفعّالة، ما يعني أنّ حلول الإغاثة تكون من صنف الأمد الطويل، وليست حلولاً آنيّة قصيرة الأمد. والناجون في سوريا وفي تركيا بحاجة إلى حلول إغاثة طويلة الأمد، تساعدهم على التعافي من هول أكثر من مئة هزّة أرضيّة ضربن مدنهم وقراهم في يوم واحد!
تبرّعك اليوم بالقليل من المال لن يصلح أحوال الناجين وليس فيه حلّ لكلّ مشاكلهم، قد يُرضي ضميرك فقط لكنّه لن يرضي من يعاني. لذا، ركّز على دعم تلك الجهات التي تسعى لحلول طويلة الأجل، فيها تنمية وتأمين مياه نظيفة وطاقة مستدامة. واللاحق يأتي لاحقاً.
قلبي مع أولئك الذين يعانون في تركيا وسوريا. أرسل لهم الحبّ وتمنياتي لهم بالاطمئنان خلال هذا الوقت الصعب.