في الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الدولة الشاسعة، عشرات اللّهجات الإنگليزية، حتّى أنّ بعضها غير مفهوم عند الآخر. ومع ذلك، تميل أغلب المدارس والمؤسّسات التعليمية في الولايات المتحدة إلى استعمال اللّهجة الإنگليزية الأمريكية القياسية ASE، وهي لهجة راقية ترتبط عادة بالمتحدثين المتعلّمين وتستخدم في الأماكن الرسمية مثل الأعمال والأكاديميّات والحكومة.
ورغم أنها لهجة قياسية غير مستعملة في البيوت، مع ذلك تصرّ أجهزة التعليم والإعلام الأميركية على استعمال لهجة ASE بمستوى حرص العرب على استعمال الفصحى. حتى هوليوود، تضغط على نجومها لتعلّم اللهجة القياسية وإتقانها في دورات مكثّفة، قبل أن يصعدن إلى سماء النجومية… وهوليود في كاليفورنيا التي تتحدّث لهجة مختلفة جداً عن ASE القياسية.
لن تجد أحداً يطالب باعتماد لهجة محليّة في الأماكن الرسمية مثل الأعمال والأكاديميات والحكومة، ولا أحد يطالب بالتوقّف عن التعليم باللهجة القياسية، ولن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية أبداً بخروج منتج هوليودي بغير اللهجة القياسية، فهذه من أهم مظاهر الوحدة الأميركية. وشعار الإعلام الأميركي هو “in television you are not supposed to sound like you’re from anywhere”.
في ذات الوقت يدرك أغلب الأميركيين أن مطالبة الناس بتحدّث اللهجة القياسية في بيوتهم هو شيء غير عقلاني، ويهدّد الهُوِيَّة المحلّية… التي يفخر بها كل أميركي.
اللّهجات القياسية دائماً هي معيار حضاري، ولهجات متّفق عليها لتكون وسطاً بين شعوب متآلفة ومتكاتفة.
اللّهجة الإنگليزية الأمريكية القياسية ASE، وُضعت معاييرها في العقد الثالث من القرن العشرين واعتمدتها هوليوود في العقد التالي، وتسمّى أحياناً General American English، Broadcast English، Network English، Network Standard. وسبقت مملكة مصر الولايات المتحدة الأمريكية بابتداع عربية الصِّحافة بعقد واحد، وهي ما نستعمله اليوم في إعلامنا العربي.
كيف انفصلت الإنگليزية الأمريكية عن الإنگليزية البريطانية؟
الإجابة البسيطة هي أنّ السبب هو أنّ أغلب الأميركيين هم مهاجرين من دول ألمانية وغيرها من دول أوروپا وآسيا لا سيما آيرلاند والصين.
أما بالتفصيل فقد كان تطور اللهجة الأمريكية الإنگليزية وانفصالها عن اللغة الإنگليزية البريطانية قد حدث خلال الفترة الاستعمارية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. مع تهاجر المستوطنين من مناطق مختلفة في بريطانيا إلى أمريكا، جلبوا معهم لهجاتهم الإقليمية، التي تطورت تدريجيًا إلى لهجات أمريكية مميزة. بالإضافة إلى ذلك، مع تواصل الأمريكيين مع لغات وثقافات أخرى، قاموا بدمج كلمات وهياكل نَحْوِيّة جديدة في كلامهم، مما زاد في تمايز اللغة الإنگليزية الأمريكية عن الإنگليزية البريطانية. كما ساهمت الثورة الأمريكية والاستقلال السياسي والثقافي عن بريطانيا في تطوير هُوِيَّة أمريكية مميزة، والتي انعكست في اللغة. وفي الوقت الحاضر، لا تزل اللغة الإنگليزية الأمريكية تتطوّر وتتغير، مع إضافة كلمات وتعابير جديدة باستمرار.
أضف تعليق