خلال السنوات العشر الأخيرة انخرط السوريّون في حرب همجيّة كرّرت بشكل ما أحداث 1855-1860، التي انتهت كذلك بشكل مشابه حين فرضت قوى أجنبيّة مختلفة حضورها كقوى ضامنة للسلم الأهليّ بين أهل البلد. ولطالما أفرزت كلّ واحد من هذه المراحل مدارس قوميّة أسوأ من سابقاتها. وسوريا الثريّة بتنوّع سكّانها الإثني، ساهم فيها هذا التنوّع كأحد العوامل المساعدة للحرب؛ طالما أنّ كلّ عنصر من مكوّنات المجتمع السوريّ يعتقد بالتفوّق على باقي العناصر، ويعتقد كذلك بمظلوميّة ينالها من بقيّة العناصر. سوريا، هذا البلد المتنوّع؛ عاش أغلب القرن الماضي محكوماً بأنظمة سياسيّة عسكريّة ترى أنّ في هذا التنوّع مشكلة تحتاج إلى حل.
لجأت هذه الأنظمة العسكريّة باستمرار لاستعمال منطق التفوّق العنصريّ والمظلوميّة سابقة الذكر، ما أنتج دولة عنصريّة لا تعترف بحقوق ثقافيّة لسكّانها، وتفرض استنساخ شكل واحد فقط؛ اعتبرته المكوّن الأصلي للهويّة الوطنيّة السوريّة… تغذّيه بمشاعر التفوّق على غيره المختلف… هكذا صارت سوريا دولة عصبيّة تقوم على العنصر. وصارت العناصر المرفوضة لا ترى حلّاً لأزمة هويّتها غير الانفصال عن هذه الدولة والاستقلال في دولة عصبيّة تخصّ عنصرها.
ومن هذه العناصر المكوّنة: المجتمع الكرديّ في المناطق الحدودية الشِّمالية، الّذي كرّرت أحزابه استنساخ التجربة القوميّة المجترّة في سوريا منذ منتصف القرن 19 وحتّى اليوم… وهي تجرِبة لم تُثبت نجاحها في إنتاج دولة فاشلة وحسب، بل وأنتجت على الدوام؛ عُصابيّة فكريّة تُغرق المؤمنين بها في أوهام وخيالات تصنع الأعداء، وتصنع معها شخصيّة مكروهة منبوذة في كلّ مكان. هذه الأوهام القوميّة المتجذّرة في قناعات القوميّين الكرد، هي في الواقع حالة من الذُهان شديدة الخطورة، في تعريفات علم الاجتماع والطبّ النفسي.
فما هو الذُّهان؟ وما علاقته بالفكر القوميّ؟
يُطلَق مصطلح الذُهان على باقة متنوّعة من الأمراض العقليّة المختلفة. غير أنّ أغلب أعراضها متشارَكة بين جميع المصابين… وكما يصاب الأفراد بالذُهان، كذلك تصاب المجتمعات بذات المرض، وتكون آنذاك سمة اجتماعية تجمعها العادات وأعراف المجتمع، وتصبح بديهيّات في عرف المجتمع المصاب، دون أي يعي هذا المجتمع درجة استحكام المرض منه.
يحدث في حالة الإصابة بالذُهان تغيّر في كُلّ من التفكير، والشعور، والإحساس بالذات والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين. وغالباً ما يصعب على المصابين التفريق ما بين الواقِع والوهم. حيث يشعرون مثلاً بالاضطهاد والتهديد والاستهداف من الآخرين، حتى مِن قِبَل الأشخاص المُقرّبين. كما يشعر المصابون بتفوّق مغبون، تقمعه مؤامرات الآخرين وينبغي عليهم الدفاع عن تفوّقهم المزعوم بالصراخ والعنف طالما أنّه ضحيّة اضطهاد. وقد يعتبِرون القرب من أحبّائهم وجيرانهم بمثابة تهديد لوجودهم.
في المصحّات النفسيّة والعصبيّة يتم حالياً استخدام مُصطلح “الذُهان” كمُصطلحٍ عام للتعبير عن مُختلف الأمراض العقلية، التي تكون مصحوبة بظهور الهلاوِس أو الأوهام كونها العلامات الأكثر بروزاً من علامات المرض.
ما هي أعراض الذُّهان؟ وما علاقتها بالفكر القوميّ؟
أبرز أعراض الذُهان هي الهلوسة والتوهّم والخمول والعزلة الاجتماعية وعقبات تحسين المِزَاج واضطراب التفكير… اقرأ معي هنا أمثلة عن العبارات التي يكرّرها المصابون بتوَهُّم الذُهان وقارنها بنفسك مع العبارات التي يكرّرها روّاد الفكر القوميّ:
- “أنا ضحيّة اضطهاد لا مُبَرِّر له”
- “أعرف أنّ هناك أشخاصاً يَتَرَصّدونني ولا يتركونني وشأني”.
- “لَديّ قُدرات استثنائية تُمَيِّزُني عن الأشخاص الآخرين”.
- “أنا على علاقة وطيدة مع قِوى أو أشخاص ذات نفوذ”.
- “أنا مصدر كلّ الأفكار التي تحرّك الناس من حولي”.
- “لولا وجودي لتهدّمت حياة أقاربي وأصدقائي”.
- “إذا تركت مكان عملي سيتركه معي الآخرون وتتعطّل الشركة”.
- “أنا المسؤول عن سعادة جميع النّاس على هذا الكوكب”.
هل تذكّرك هذه العبارات بمقالات ومنشورات القوميّين في كلّ مكان؟ بالتأكيد.
يمكنك قراءة المزيد من التفاصيل عن الذُهان من وجهة النظر الطبيّة من هنا
ونصيحتي للقوميّين الكرد بعد آمالي لهم بالتعافي والشفاء، عصبيّتكم لا تنتج للعالم غير اللّاجئين والمهاجرين. ثمّ تفتح أراضيكم سوقاً لمصانع السلاح ولحروب لا تنتهي. والحلّ أن يجتهد الأكراد أنفسهم بإخراس هؤلاء العُصابيّين وإنقاذ شعبهم الكردي من تكرار التجارِب الفاشلة بالدفع صوب دولة المواطنة العادلة.
مدوّنة البخاري 
أضف تعليق