الإعلانات
, , ,

هجرة الإبداع

أمس أصابني ملل، فقمت بدراسة سريعة للإجابة على سؤال حركش خاطري في مساء يوم سبت.

تساءلت، وقد رأيت حالنا المبعثرة في شتات بعد انفجار السنوات العشر الأخيرة، هل كانت حالنا هكذا على الدوام؟ وما رأيت أفضل من طريقة للإجابة على هذا السؤال غير دراسة حياة أهمّ الفنّانين السوريّين خلال القرن العشرين.

نعلم بوجود فنّ سوريّ حديث وليد القرن العشرين، وندرسه في المتاحف ونستمع إليه في القاعات والإذاعات. لكن، هل كان هذا الفنّ السوريّ وليد سوريا؟ هل كان المبدعون السوريّون الذين أبدعوا هذا الفنّ يقيمون في سوريا، البلد المخطّط بخطوط على خارطة دول العالم؟

لأجيب هذا السؤال أحصيت أوّلاً أهمّ الفنّانين السوريّين خلال القرن العشرين على مستوى الإنتاج الإبداعي، وخرجت بقائمة تحتوي 58 اسم، حصرت فيها دراستي بمن اشتغل ما بين السنوات 1900 و1999. وخصصت بحثي حقول: الكاليگرافي والكاريكاتير والموسيقى والرسم والنحت والفوتوگرافي. واستثنيت حقول المسرح والسينما والترفيه الاستعراضي عموماً، فهي غير مشمولة في هذه الدراسة.

والبحث اشتمل على الفنّانين من الرجال والنساء. درست حياة كلّ واحد منهم، أين وُلد، وأين درس، وأين اشتغل، وأين توفّي. وخرجت بالنتيجة التالية:

خارطة حاضنات الفن السوري خلال القرن العشرين
خارطة حاضنات الفن السوري خلال القرن العشرين – ينبغي أن ننتبه إلى أن هذه الدراسة لم تشمل من كرّس فنّه لخدمة بلد المهجر من المهاجرين المبدعين السوريين، إنما ركّزت على من بقي مكرّساً إبداعه للفنّ السوري.

خلال القرن العشرين:

  • 19٪ فقط من الفنّانين السوريّين البارزين عاش واشتغل في سوريا.
  • ~14٪ في الولايات المتّحدة الأميركية.
  • 12٪ في فرنسا.
  • ~11٪ في لبنان.
  • ~9٪ في مصر.
  • ~6٪ في ألمانيا، ونفس النسبة لكلّ من السويد وتركيا.
  • ~4٪ في النمسا، ونفس النسبة لكلّ من كندا والكويت والإمارات العربية المتّحدة وبريطانيا.
  • ~2٪ في سويسرا.
خلال القرن العشرين:
19٪ فقط من الفنّانين السوريّين البارزين عاش واشتغل في سوريا.
~14٪ في الولايات المتّحدة الأميركية.
12٪ في فرنسا.
~11٪ في لبنان.
~9٪ في مصر.
~6٪ في ألمانيا، ونفس النسبة للسويد وتركيا.
~4٪ في النمسا، ونفس النسبة لكندا والكويت والإمارات العربية المتّحدة وبريطانيا.
~2٪ في سويسرا.

كلّ المشمولين في القائمة السابقة وُلدوا في سوريا، وكانت دراستهم على الأغلب في سوريا كذلك. وهم بأغلبهم على الترتيب من محافظات: دمشق وحلب وحماة والسويداء والحسكة وطرطوس واللاذقية وحمص وأنطاكية.

هذا يعني أنّ ما نستمتع ونفتخر به كفنّ سوريّ يُستعرض في المتاحف، ما كان ليحدث لولا الهجرة. في القرن العشرين؛ 81٪ من الفنّ السوري هو فنّ مهجر. فنّ نازح مغترب. لم ينتجه مبدعوه على أرض سوريا، إنّما خارجها. هذا مع الاعتبار أنّ حوالي خُمس الـ19٪ هم فنّانين عاشوا متجوّلين ما بين سوريا وخارجها، وحملوا جنسيّات غير سوريّة، ثمّ عادوا إلى مسقط الرأس للوفاة فيه.

ما هذا البلد الذي لا يبدع أهله إلّا خارجه؟

لا بدّ من وجود خلل تقني كبير هنا، أليس كذلك؟

ولماذا تحوز الولايات المتحدة الأميركية على النسبة الأعلى من الفنّ السوريّ المهاجر؟

هذه الأرقام تعني أنّ سوريا الجمهوريّة، ومن منشأها؛ ليست حاضنة إبداع ولا هي بيئة مناسبة لإخراج حضارة، حتّى يضطر أغلب مبدعيها لتركها ليقدروا على إبداع فنّ سوريّ! ومن لم يقدر على ترك على البلد اختنق فيه!

هذا خلل بحاجة إلى إصلاح، وهو خلل لا يتحمّل أعقابه الاستعمار وحده ولا حزب البعث وحده ولا نظام الأسد وحده… بل هي بيئة متراكبة لم تسمح فيها الظروف؛ ومذ خسرت العثمانية ولاية شام للأجنبي، على نموّ مؤسّسة واحدة ترعى الفنّ والمبدعين.

المشكلة تبدأ ربّما سنة 1840، أو ربّما سنة 1908، أو ربّما سنة 1915، لكنّ ما حدث سنة 1918 حتماً لم يساهم بإصلاحها، ولا ما حدث سنة 1920، ولا 1958، ولا 1964، ولا 1969… وحبل الهدر مستمرّ. سوريا بذور لا تنتش إلا خارجها، ما يعني أنّ أرضها مسمومة. فمن يسمع صوت العالقين داخل البلد؟

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم