الإعلانات
, ,

مفتاح فهم تطوّر المجتمعات

تدوينتي هذه قد تُسعد البعض وتُشعرهم بالراحة، وقد تفعل العكس في الآخرين. لكنّها تتناول مسألة شديدة الأهمّية في نهوض وانحطاط المجتمعات: التوازن بين الامتثال واللاامتثال.

عبر التاريخ، شهدنا كيف أنّ المجتمعات تزدهر وتنهار، تتقدم وتتراجع. وفي قلب هذه الحركة الديناميكية، نجد صراعاً مستمرّاً بين قوّتين متعارضتين ظاهرياً، لكنهما متكاملتان في جوهرهما: الامتثال واللاامتثال.

الامتثال، بما يمثله من التزام بالقواعد والتقاليد، يوفّر الاستقرار والتماسك الاجتماعي الضروري لأيّ حضارة. في المقابل، يدفع اللاامتثال عجلة التقدّم والابتكار، مشجّعاً على التفكير خارج الصندوق وتحدّي الوضع الراهن.

في هذا المقال، نستكشف معاً الدور الحيوي لكلّ من الامتثال واللاامتثال في تشكيل مصائر الأمم والحضارات. نتعمّق في فهم هذين المفهومين، ونستعرض أمثلة تاريخية توضح كيف أنّ التوازن – أو عدمه – بينهما قد أثّر بشكل جذري على مسار التاريخ البشري.

من العصر الذهبي للإسلام إلى نهضة شرق آسيا الحديثة، سنرى كيف أنّ المجتمعات التي نجحت في تحقيق توازن دقيق بين الامتثال واللاامتثال قد حقّقت إنجازات عظيمة، في حين عانت تلك التي أخفقت الركود والانحدار.

أدعوكم للتفكّر معي في هذه القضية الجوهرية، وتأمّل كيف يمكننا، كأفراد ومجتمعات، أن نحقّق هذا التوازن الحيوي في عالمنا المعاصر سريع التغير.

الامتثال واللاامتثال – قوّتان متعارضتان أم متكاملتان؟

أغلب البشر تولد برغبة غريزية في الامتثال، تتفاوت قوّة هذه الرغبة بين الناس. هذا التفاوت يعود إلى عدة عوامل، منها ما هو وراثي بحكم الولادة، ومنها ما يُكتسب بواسطة التنشئة والتجارب الحياتية. العوامل الوراثية قد تشمل سمات شخصية موروثة كمستوى الانفتاح على التجارب الجديدة أو درجة الحساسية للرفض الاجتماعي. أمّا العوامل المكتسبة فتتضمّن التربية الأسرية، والتعليم، والتجارب الاجتماعية المبكرة. ثم أن التطوير الذاتي واكتساب المفاهيم الجديدة عبر القراءة والتعلم يمكن أن يؤثر بشكل كبير على ميل الفرد للامتثال أو عدمه. هذا التنوع في مستويات الامتثال بين الأفراد يساهم في خلق التوازن الضروري داخل المجتمعات، حيث يوفر مزيجًا من الاستقرار والتجديد.

الرغبة بالامتثال هي نزوع يدفع الأفراد إلى تعديل سلوكهم، أفكارهم، أو معتقداتهم لتتوافق مع معايير أو توقّعات المجموعة أو المجتمع الذي ينتمون إليه. هذه الرغبة تُحركها عوامل نفسية واجتماعية متعدّدة تهدف إلى تحقيق الشعور بالانتماء، القبول الاجتماعي، وتجنّب الرفض أو العزلة. وسببها هو الشعور الغريزي المستمرّ بالشكّ.

الامتثالية هي مورفين تهدئة ألم الشكّ.
اللاامتثالية هي استثمار طاقة ألم الشكّ.

الامتثال واللاامتثال في سلوكيّاتنا اليومية

ليست العلاقة بين الامتثال واللاامتثال علاقة تضاد بسيطة، بل هي علاقة معقّدة ومتداخلة. فكل فرد يمتلك درجات متفاوتة من كليهما، تظهر في مواقف وسياقات مختلفة. قد يكون الشخص ممتثلاً في بعض جوانب حياته، كاحترام القوانين العامة، في حين يُظهر لاامتثالية في جوانب أخرى، كأسلوب تفكيره أو اختياراته المهنيّة. هذا التوازن الديناميكي بين الامتثال واللاامتثال هو ما يسمح للمجتمعات بالحفاظ على استقرارها مع السماح بالتطور والتغيير. فالامتثال يوفر الاستقرار والتماسك الاجتماعي، في حين يدفع اللاامتثال عجلة التقدم والابتكار. وعليه، فإنّ فهم وتقدير أهمية كل من الامتثال واللاامتثال ضروري لبناء مجتمع متوازن وصحي.

مثلاً:

  • تضحك مع الناس لأنها تضحك، امتثال.
  • تمارس التدخين لأنّ الناس تمارس التدخين، امتثال.
  • تكرّر معلومات على أنّها بديهيات من دون تحقق، امتثال.

على الطرف المقابل:

  • التحقّق من كلّ البديهيات، لاامتثال.
  • التفكير في كلّ العادات قبل ممارستها، لاامتثال.
  • تجربة أكلات جديدة غير مألوفة وقد لا تعجب المجتمع، لاامتثال.

ليس للامتثال واللاامتثال قيم مطلقة في سياقات الإيجابية أو السلبية.

الامتثال قد يكون إيجابياً في بعض الحالات، مثل اتباع قوانين المرور أو احترام حقوق الآخرين. هذا النوع من الامتثال يساعد في تنظيم المجتمع وحماية أفراده. لكن الامتثال قد يكون سلبياً عندما يؤدّي إلى تقليد أعمى للآخرين دون تفكير، أو قمع الإبداع والتنوع.

وبالمثل، اللاامتثال قد يكون إيجابياً عندما يدفع نحو الابتكار والتقدم، لكنه قد يكون سلبياً إذا أدى إلى سلوكيات ضارة أو مخالفة للقيم الأساسية للمجتمع.

المفتاح هو التفكير النقدي والموازنة بين احترام القواعد الضرورية للمجتمع وبين الحفاظ على الاستقلالية الفكرية والإبداع.

الرغبة في الامتثال الاجتماعي تتباين بين الأفراد، وتتأثّر بتفاعل معقّد بين العوامل الجينية، النفسية، والبيئية. ورغم أنّه من النادر أن تجد شخص ما محصّناً تماماً من الرغبة بالامتثال، لكن، يوجد أفراد يُظهرون ميلاً أقوى نحو الاستقلالية وعدم الامتثال.

الأفراد الذين يتمتّعون بدرجة عالية من الانفتاح على التجربة، والمبدعون لأنّهم يقدّرون الأصالة والابتكار، يتدافعون لتحدّي الأعراف ومقاومة الامتثال. وأولئك الذين عانوا من التهميش أو التمييز قد يطوّرون مقاومة للامتثال للأعراف في مجتمع استثناهم.

الأفراد الذين يتمتّعون بثقة عالية بالنفس ومفهوم ذاتي قوي، والأشخاص الذين يؤمنون بأنّهم يتحكّمون بحياتهم ونتائجها، والأفراد الذين يتمتّعون بالثقة والحزم، يكونون أقل ميلاً للامتثال.

الشخصيات التاريخية مثل المخترعين، الفنّانين، والمصلحين الاجتماعيّين غالباً ما يظهرون ميولاً قوية نحو اللاامتثالية. مساهماتهم تتطلّب عادة تحدّي الأعراف القائمة والتفكير خارج الأطر التقليدية. والناشطون الاجتماعيون والسياسيون الذين يكافحون من أجل التغيير والعدالة غالباً ما يقاومون الامتثال، مدفوعين بشعور قوي بالهدف والالتزام بقضاياهم.

فهل أنت امتثالي؟ أم لاامتثالي؟

الامتثال واللاامتثال في النسيج الاجتماعي

وكما ينطبق هذا التوازن على الأفراد، فإنّه ينعكس كذلك على المجتمعات ككل. فالمجتمعات، شأنها شأن الأفراد، تتأرجح بين قطبي الامتثال واللاامتثال. نجد مجتمعات تميل بشدّة نحو الامتثال، حيث تسود فيها الأعراف والتقاليد بشكل صارم، ممّا يؤدّي إلى استقرار ظاهري لكنه يكبت الإبداع والتجديد. وفي المقابل، هناك مجتمعات تنحو نحو اللاامتثال بدرجة كبيرة، مما يؤدّي إلى تفكّك النسيج الاجتماعي برغم ما قد ينتج عنه من ابتكارات.

المجتمعات الأكثر نجاحاً وتطوّراً هي تلك التي تستطيع الموازنة بين هذين القطبين، فتحافظ على قدر من الامتثال يضمن التماسك الاجتماعي، مع فسح المجال للاامتثال الذي يدفع عجلة التقدّم. هذه الموازنة الدقيقة هي ما يميّز المجتمعات المزدهرة، حيث تتعايش فيها الأصالة مع المعاصَرة، والثبات مع التغيير، في نسيج اجتماعي متناغم ومتطور.

يمكننا رؤية هذا التوازن بين الامتثال واللاامتثال بوضوح في العصر الذهبي للإسلام. فقد شهدت هذه الفترة توازناً فريداً بين الحفاظ على الأسس الدينية والاجتماعية (امتثال إيجابي) وبين تشجيع الابتكار والتفكير النقدي (لاامتثال إيجابي).

فمن جهة، كان هناك امتثال للقيم الإسلامية الأساسية والنظم الاجتماعية، ممّا وفّر استقراراً وتماسكاً مجتمعيّاً. ومن جهة أخرى، شجّعت الحكومات والمؤسّسات العلميّة على اللاامتثال الفكري، وسمحت بدرجات عالية من التباين والحرّيّة الفكرية. ممّا أدى إلى ازدهار العلوم والفلسفة والفنون.

العصر الذهبي للإسلام – نموذج للتوازن الناجح

حين عاش العرب العصر الذهبي للإسلام، شجّعت حكوماتهم مواطنيها على رفض الامتثال (اللاامتثالية). هذه حقيقية، ولو أنّ الكثير من كتب التراث تُظهر واقعاً مغايراً. وهذا كان السبب الحقيقي لنهضة القرون 10-13.

وحين مات تيمورلنگ شجّع أولاده مواطنيهم من بعده على رفض الامتثال (ضدّ منهج تيمور). وهذا ما صنع “العصر الذهبي” لتركستان ما بين القرنين 15-17 حين صارت جامعات هذه البلاد أقطاباً علمية على مستوى العالم. ونفس الحال نراه في سلطنة دلهي في القرنين 16-17 بمسعى من السلطان جلال الدين أكبر.

وحين أمسك يوسف بن تاشفين بالمغرب العربي في القرن 11 بدأ حقبة ذهبية من تشجيع اللاامتثال استمرّت حتى القرن 13، وقدّمت لنا رعاية الموحدين لاحقاً ابن رشد وابن طفيل مما ساهم في تعزيز الفكر النقدي والتعدّدية الفكرية. في الفكر الإسلامي وغرب الأوروپي على السواء.

وحين انتصب عبد الرحمن الثالث على حكم قرطبة في القرن 10 أسّس بيت الحكمة الأندلسي، وجعله مركز تجمّع للعلماء من مختلف الأديان والخلفيات. فشجّع اللاامتثالية في أقوى صورها. وصنع فترة ذهبية استمرّت حتى القرن 13… ولو أنّها لم تزل مستمرّة إلى اليوم في حكم دول غرب أوروپا.

فمثلاً، في بغداد، كان بيت الحكمة مركزاً للترجمة ونقاش الأفكار من مختلف الثقافات، ممّا سمح بمزج المعرفة العربية مع الحكمة الإغريقية والتركية والهندية والأفغانية. هذا المزيج بين الامتثال للأسس والانفتاح على الأفكار الجديدة هو ما مكّن العلماء المسلمين من تطوير علوم الرياضيات والطب والفلك، مع الحفاظ على هويّتهم الثقافية والدينية.

وهكذا، كان هذا التوازن الدقيق بين الامتثال واللاامتثال عاملاً أساسيّاً في جعل هذه الفترة “ذهبية” بحقّ، حيث ازدهرت الحضارة الإسلامية وأثرت العالم بإسهاماتها العلمية والثقافية.

وفي حين يعزّز الامتثال الاستقرار والتناغم داخل المجتمع. ويوفّر الدعم والقبول من الآخرين. غير أنّ الامتثال المفرط يؤدّي إلى فقدان الفرد خصوصيّته واستقلاله الفكري، ويؤدّي إلى تراسب التفكير الجماعي، حيث يقع تجاهل الأفكار النقدية والمبتكرة.

المجتمعات التي تحقّق أعلى درجة من الرغبة بالامتثال عادةً ما تكون تلك التي تركّز على القيم الجماعية والانصياع للأعراف والتقاليد الاجتماعية. هذه المجتمعات غالباً ما توجد في الثقافات الجماعية التي تعطي الأولويّة لمصلحة المجموعة على حساب الفرد. مثلاً: المجتمعات شرق الآسيوية التقليدية، والمجتمعات القبلية، والمجتمعات الدينية المحافظة.

الانحدار الحضاري – عواقب الامتثال المفرط

خطورة الدرجات العالية من الامتثال على صحّة المجتمع تتمثّل في فقدان الابتكار والتقدم، وظاهرة التفكير الجماعي، حيث تتبنّى المجموعة قرارات غير عقلانية أو غير مدروسة بشكل جيد بسبب الرغبة في الحفاظ على الانسجام والتوافق، تتمثّل في القمع الاجتماعي. كما أنّ الضغط المستمر للامتثال يسبّب توتّر نفسي وعاطفي، يؤدّي إلى مشاكل مثل القلق والاكتئاب. وتنامي التهميش والتمييز (العنصرية مثلاً).

يمكننا رؤية كيف أن الامتثال المفرط أدّى إلى تراجع ازدهار المجتمعات الإسلامية ونهاية عصرها الذهبي. فبعد قرون من الانفتاح والإبداع، بدأت هذه المجتمعات تميل تدريجياً نحو الامتثال المتزايد للتفسيرات الجامدة والتقليدية. هذا التحوّل نحو الامتثال المفرط تجلى في عدة مظاهر:

  • أولاً، تراجع الاجتهاد الفكري والديني، حيث سادت فكرة “إغلاق باب الاجتهاد”، ممّا أدّى إلى جمود الفكر الديني وتقييد التفسيرات الجديدة.
  • ثانياً، تقلّصت مساحة الحوار والنقاش العلمي الحر، وأصبح التشكيك في الأفكار السائدة أمراً غير مقبول اجتماعياً وأحياناً شديد الْخَطَر على الحياة.
  • ثالثاً، تراجع الاهتمام بالعلوم العقلية والتجريبية لمصلحة العلوم النقلية التقليدية.

هذا الامتثال المفرط أدى إلى عواقب وخيمة على المجتمعات الإسلامية. فقد تراجعت روح الابتكار والإبداع التي ميّزت العصر الذهبي، وانحسر التقدّم العلمي والتكنولوجي. كما أدّى إلى انغلاق ثقافي وفكري، ممّا جعل هذه المجتمعات أقل قدرة على التكيف مع التغيرات العالمية والتحديات الجديدة.

نتيجة لذلك، فقدت المجتمعات الإسلامية تدريجياً ريادتها العلمية والثقافية العالمية، وبدأت في الانحدار نحو فترة من الركود والتخلّف النسبي. وهكذا، فإن الانتقال من التوازن الدقيق بين الامتثال واللاامتثال إلى الامتثال المفرط كان عاملاً رئيسياً في إنهاء العصر الذهبي للإسلام وبداية فترة من التراجع الحضاري.

مقارنة عبر الزمن

فإذا قارنّا بين فترة بداية التخامد الإسلامي في المشرق العربي في القرن 14، وفترة الازدهار النهضة شرق الآسيوية في عقب الحرب العالمية الثانية، نجد المفارقة الدقيقة لتأثير الامتثال المفرط على حياة المجتمع.

شهد القرن 13 غزو المغول للدول المسلمة في آسيا، الذين تعمّدوا تدمير بغداد وكلّ المدن الصناعية العربية في المنطقة. إضافة إلى تفكّك الخلافة العباسية ومؤسّساتها الدولية بانتقالها إلى القاهرة، وانتشار الطاعون الأسود. هكذا اشتغلت القوّة المنتصرة في حرب القرن 13 على تدمير كل نتائج الحضارة الإسلامية. أمّا في شرق آسيا وبعد الحرب العالمية الثانية، فرغم الدمار، كان هناك استقرار نسبي ودعم دولي (خاصّة من القوة المنتصرة: الولايات المتحدة الأميركية) لإعادة البناء والتنمية.

عقب كارثة القرن 13 بدأ العالم الإسلامي في الانغلاق على نفسه، معتبراً اكتفى بما لديه من المعرفة. أمّا دول شرق آسيا فقد انفتحت بشكل استراتيجي على المعرفة الغربية، مع الحفاظ على هويّتها الثقافية.

العالم الإسلامي استجاب للصدمات بالانكفاء والتشدّد في التقاليد. فتراجع الاهتمام بالعلوم التجريبية لمصلحة العلوم الدينية. وتصلّب الهيكل الاجتماعي وأصبح أقل مرونة. وزاد تداخل الدين في شؤون الدولة والحياة العامة.

دول شرق آسيا استخدمت الصدمات كحافز للتغيير والتحديث. فركّزت بشدّة على العلوم والتكنولوجيا كأساس للتنمية. وحافظت على قيم اجتماعية تقليدية مع السماح بتغييرات في الهيكل الاقتصادي. وفصلت نسبياً بين الممارسات الدينية/الثقافية والسياسات الاقتصادية.

استخلاص العبر

وهكذا يبدو أنّ الفرق الرئيس يكمن في كيفية الاستجابة للتحديات. فبينما أدت الصدمات في العالم الإسلامي إلى انغلاق وجمود مع إنكار مطلق لواقع الفشل والهزيمة، استخدمت مجتمعات شرق آسيا التحديات كفرصة لإعادة التفكير والتجديد، مع الحفاظ على جوهر هويتها الثقافية. إذ تقبّلت أنّها فشلت وانهزمت بسبب قيم معيّنة، فتخلّت عنها وتبنّت مبادئ المجتمع المنتصر.

في ختام هذا التأمل في ديناميكيات الامتثال واللاامتثال، نجد أنفسنا أمام حقيقة جوهرية هي أنّ ازدهار المجتمعات وتقدّمها يعتمد بشكل كبير على قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين هذين القطبين. فالامتثال، في جوهره، يوفّر الاستقرار والتماسك الاجتماعي الضروريّين لأي حضارة، في حين يدفع اللاامتثال عجلة الابتكار والتقدم.

تاريخنا الإنساني، بما فيه من عصور ذهبية وفترات انحدار، يشهد على أهمّية هذا التوازن. فالعصر الذهبي للإسلام، على سبيل المثال، كان نتاجاً لتوازن فريد بين الامتثال للقيم الأساسية واللاامتثال الفكري الخلاق. وبالمثل، فإنّ نهضة دول شرق آسيا في العصر الحديث تعكس قدرتها على الموازنة بين الحفاظ على هويّتها الثقافية وتبنّي أفكار جديدة.

إنّ التحدّي الذي يواجه مجتمعاتنا اليوم هو كيفية تعزيز هذا التوازن في عالم سريع التغيّر. علينا أن نسعى جاهدين لخلق بيئات تحترم التقاليد والقيم الأساسية، مع توفير مساحة للإبداع والتفكير النقدي. فقط بواسطة هذا التوازن الدقيق يمكننا أن نضمن استمرار تقدم حضارتنا وازدهارها في مواجهة تحديات المستقبل.


مراجع

Hodgson, M. G. S. (1974). The Venture of Islam: Conscience and History in a World Civilization. University of Chicago Press.

Kennedy, Hugh (2004). The Prophet and the Age of the Caliphates: The Islamic Near East from the Sixth to the Eleventh Century. Routledge.

Freeman, C. (1995). The ‘National System of Innovation’ in historical perspective. Cambridge Journal of Economics, 19(1), 5-24.

Schumpeter, J. A. (1942). Capitalism, Socialism and Democracy. Harper & Brothers.

Asch, S. E. (1956). Studies of independence and conformity: I. A minority of one against a unanimous majority. Psychological Monographs: General and Applied, 70(9), 1-70.

Milgram, S. (1963). Behavioral study of obedience. The Journal of Abnormal and Social Psychology, 67(4), 371.

Amsden, A. H. (1989). Asia’s Next Giant: South Korea and Late Industrialization. Oxford University Press.

Johnson, C. (1982). MITI and the Japanese Miracle: The Growth of Industrial Policy, 1925-1975. Stanford University Press.

Inglehart, R., & Baker, W. E. (2000). Modernization, cultural change, and the persistence of traditional values. American Sociological Review, 65(1), 19-51.

Rogers, E. M. (2003). Diffusion of Innovations (5th ed.). Free Press.

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم