في دمشق، صرر الأوزي هي ثاني أشهر أكلة تجارية من مطبخ الكيترينگ، بعد الكبّة وقبل الصفيحة.
أمّا في عموم الشام فإنّ الأوزي هو طبق شهير في المطبخ الشامي، يتميّز بأنّه غنيّ ومغذّي ولذيذ. ويشمل الأوزي الشامي عادة الأرز واللّحم والخضروات والتوابل المختلفة. ويُقدّم بطبقة من الأرز في قاع الصحن، ثم توضع قطع اللّحم والخضروات فوق الأرز. ويُزيّن الطبق باللّوز والصنوبر المحمّص والبقدونس المفروم. وعادة يكون تقديمه في المناسبات الخاصّة والاحتفالات. ويمكن تناوله مع سلطة ولبن، أو سلطة خيار مجقجق باللّبن (جاجيق).
وعلى مستوى الأوزي الشامي، نجد كذلك القوزي العراقي، وهو طبق شهير وتقليدي في المطبخ العراقي، ويتكوّن أساسًا من الأرز واللّحم والخضروات والمكسّرات. وغالبًا ما يُقدّم في المناسبات الخاصة والاحتفالات والأعياد في العراق. ويُقدّم طبق القوزي العراقي بشكل شبيه بالأوزي الشامي، غير أنّه لا يصرّ في صرر على طريقة الأوزي الدمشقي. ويتميّز في وجود زبيب العنب فيه.
وبينما يأت الاسم الشامي لأكلة الأوزي في الأصل من كلمة قوزي التركمانية، وهو كذلك الأصل للاسم الأناضولي لأكلة الكوزو، التي تعني اليوم لحم الغنم، غير أنّ لهذه الكلمة واسمها حكاية مختلفة، فيها تبدّل في المعاني. فلنتمشور في مراحلها.
باللّغة التركية التركستانية يقابل كلمة إوزّة العربية كلمة قوز، نفس الكلمة بالأوزبكية المعاصرة هي گوز G’oz مع مدّ صوت الواو. وكانت كلمة قوزي في تركستان ومونگوليا قديماً تعني طبق من الأرز أو البرغل مع إوزّة مشوية، وغالباً ما كانت الأوزّة نفسها محشيّة بهذا الأرز أو البرغل مع فواكه مجفّفة وبزورات. وكان أتراك القزّ (بدو الگوك تورُگ) قد تخصّصوا قديماً بتربية الإوز ونشأ اقتصاد متكامل يعتمد على تدجين الإوز وتجارته، ويعتقد أنّ كلمة قوز بمعنى إوز، هي تحوير في الواقع لتسمية أتراك القزّ، فصارت كلمة قوز تعني القزّي.
في القرنين 13-14، أيّام تركمان القویونلو (قراقويونلو وآقويونلو) لمّا حكموا أذربايجان وطاجيكستان وإيران والجزيرة والعراق والخليج العربي بما فيه عُمان ومملكة هرمز، استبدل التركمان لحم الإوزّ القوزي بلحم الغنم، طالما قام اقتصاد تركمان القویونلو بالكامل على تربية وتجارة الغنم. وهكذا، نشر تركمان القویونلو أكلة القوزي بنفس اسمها القديم مستبدلين لحم الإوز بلحم الغنم، وانتشرت عنهم في العراق وإيران وحول الخليج العربي، وصار العرف هكذا أن تكون القوزي العراقية من لحم الغنم بدل الإوز.
والصرّة ليست من شكل الأكلة الأصلي، إنّما هي بأصولها قطع لحم غنم كبيرة مطبوخة مع بازلاء وأرز على طريقة الرز البخاري (البلوڤ)… لكن محلّات ومطاعم بلاد الشام، وبغرض تسهيل بيع هذه الأكلة للمدارس والصنايعية والمناسبات، صغّرت حجم قطع اللّحم وصارت تصرّ الأوزي ضمن عجين مرقوق وتشويها بالفرن، وبالتالي تبقى وجبة الأوزي طازجة ولا تبات بسرعة، وصار بيعها ونقلها أسهل.
في أذربايجان، ومع استبدال لحم الإوز بلحم الغنم، استبدل الناس كذلك شكل الإوزّة المحشيّة بحشو حبّة يقطين كبيرة باللحم والأوز والفواكه والبزور، أو بلفّها جميعاً في صرّة كبيرة من رقائق العجين، لتشوى في فرن. ثمّ تطوّر عن أكلة القوزي العراقية أكلة الأوزي الشامية، وهي ببساطة تصغير لصرر القوزي الأذربايجانية حتى تكون كلّ صرّة بمقدار طبق واحد لشخص واحد. لكن القوزي العراقي لم يزل إلى اليوم أكلة معتبرة من لحم الغنم مع أرز بسماتي وسمن عربي، ولا تنصرّ في صرر.
في الأصل كان الأرز في وصفة القوزي أرز أحمر من وادي فرغانة، لكن بعد شيوع صرر الأوزي الشاميّة صاروا أهل سلطنة مماليك مصر والعثمانية يصنعونها مع الأرز المصري.
أضف تعليق