الإعلانات
,

نساء العرب في تدمر القديمة

هكذا كانت هيئة ملابس أرقى نساء عرب شمال جزيرة العرب قبل الإسلام بقرون عديدة

Funerary relief ca. 148 From Syria, Palmyra Limestone, paint Accession Number: 02.29.3 metmuseum
Funerary relief ca. 148 From Syria, Palmyra Limestone, paint Accession Number: 02.29.3 metmuseum

هذه شاهدة قبر تدمريّة لامرأة عربيّة من تدمر في سوريا، توفّيت سنة 148 ميلادية، أي في منتصف القرن الثاني. ومنقوشة صورتها بأبهى حلّة، وفق معايير ذلك العصر، لأنّ زوجها أحبّها إلى درجة تخليد جمالها في تمثال، ليراه الناس أبد الدهر. وهي امرأة من عامّة الشعب، لا هي ملكة ولا أميرة ولا قدّيسة.

تصوّر الشاهدة الجزء العلوي من جسم امرأة ترتدي ثوبًا ملتفًّا. شعرها مغطّى بعمامة تشبه العقال، وترتدي تحته قمطة تغطّي جبينها. ويمكن رؤية خصلات الشعر المجعّدة عند الصدغين حيث تمسكهنّ القمطة، بينما تتدلّى خصلات طويلة متموّجة على جانبي عنقها، حتى تصل إلى الكتفين. ترتدي ثوب طويل يغطّي رأسها وذراعها اليسرى، وتترك اليد مكشوفة فقط. الذراع اليمنى عارية واليد تشدّ طيّة من الحجاب على الصدر من الجانب الأيسر. فمها الصغير ذو الشفتين الرفيعتين محاط بخدّين واسعين يشيران إلى امرأة أربعينيّة. 

طلبت من الذكاء الاصطناعي صناعة صورة واقعية عن التمثال، فعدّل قليلاً في الثياب وأخفى شعرها بالكامل، لكنّ النتيجة قريبة جدّاً من الواقع. تسمح لنا برؤية الملامح العربية التدمرية قبل 1800 سنة. ويمكننا ببساطة أن نتخيّل ملامح شعرها العربي المتموّج.

إعادة تصوير واقعية لشاهدة القبر بواسطة الذكاء الاصطناعي
إعادة تصوير واقعية لشاهدة القبر بواسطة الذكاء الاصطناعي

عملياً، نجد أنّ الزيّ الذي ترتيه التدمرية المتوفّاة بشبه الزي التقليدي الحوراني وجنوب الشامي، كهذا مثلاً الشائع في تراث السلط وإربد في المملكة الأردنية

منقوش على الشاهدة بالخطّ الآرامي الإمبريالي:
𐡇𐡁𐡋 𐡕𐡃𐡌𐡓 𐡀𐡕𐡕 𐡌𐡒𐡉𐡌𐡅 𐡁𐡓 𐡍𐡅𐡓𐡁𐡋 𐡀𐡌𐡍𐡀 𐡌𐡉𐡕𐡕 𐡉𐡅𐡌 𐡒𐡄 𐡁𐡔𐡉𐡅𐡍 𐡔𐡍𐡕 𐡂𐡓𐡕
حبل تدمر، عتّة مقيمو بر نوربل عمنع، ميتت يوم 29 بسيون شنة 459.

وتفصيحها: واحبال (واحسرة) تدمر! زوجة {مقيم بن نور بعل} الصانع (الحرفي)، ماتت يوم 29 من شهر سِيوَان سنة 459.

كانت شهور التقويم التدمري تستند إلى التقويم القمري البابلي الأقدم، طالما أنّ تدمر وبابل على نفس الديانة. وهي نفسها أشهر التقويم العبري. بينما كانت السنوات تُحسب وفقًا للعصر السلوقي، الذي بدأت سنته الأولى فيما نعرفه اليوم بعام 312 قبل الميلاد.

وأشهُر التقويم القمري العربي البابلي هي: 1. נִיסָן نيسان. 2. אִיָּר إيار. 3. סִיוָן سيوان. 4. תַּמּוּז تمّوز. 5. אָב آب. 6. אֱלוּל إيلول. 7. תִּשׁרֵי تشرين الأول. 8. חֶשְׁוָן تشرين الثاني. 9. כִּסְלֵו كانون الأول. 10. טֵבֵת كانون الثاني. 11. שְׁבָט شباط. 12. אֲדָר آذار.

وكانت تدمر آنذاك على ديانة بعل الذي هو مَردوق (أمَرُتُق السومري) 𒀭𒀫𒌓 عجل الشمس، العجل الذهبي ، الذي بدأت بابل بتقديسه في القرن 18 ق.م. ثمّ تحوّلت ديانته في بابل نفسها إلى الديانة اليهودية بتوحيد العبادة إلى مَردوق وحده دون إشراكه عبادة لغيره مع تغيير اسمه إلى بعل. وتكرّست هذه المعتقدات في كامل المملكة البابلية في العهد السلوقي، في نفس الفترة التي تحوّلت فيها الديانة الفنيقية في بعلبك إلى توحيد بعل شميم 𐤁𐤏𐤋 𐤔𐤌𐤌 وحده، لا شريك له. وله المعبد الهائل قرب مدينة بعلبك في لبنان.

أمّا مرحلة بعل في تدمر فهي مرحلة انفصلت فيها تدمر لاهوتيّاً عن بابل وبعلبك، وحافظت على عبادات مَردوق القديمة نفسها مع إشراكه آلهة أخرى، المعروفة باسم الثالوث التدمري المقدّس: بعل شميم 𐡁𐡏𐡋 𐡔𐡌𐡉𐡌: بعل 𐡁𐡏𐡋 كرب إيل، و عگلِ بعل 𐡀𐡂𐡋𐡉𐡁𐡋 (عجل بعل) ربّ القمر، و ملك بعل 𐡌𐡋𐡊𐡁𐡋 (ملاك بعل) ربّة الشمس.

الثالوث التدمري المقدّس: بعل شميم 𐡁𐡏𐡋 𐡔𐡌𐡉𐡌: بعل 𐡁𐡏𐡋 كرب إيل، و عگلِ بعل 𐡀𐡂𐡋𐡉𐡁𐡋 (عجل بعل) ربّ القمر، و ملك بعل 𐡌𐡋𐡊𐡁𐡋 (ملاك بعل) ربّة الشمس.
تمثال يمثّل الثالوث التدمري المقدّس

في تلك الفترة من التاريخ، تميّزت حياة النساء في تدمر بمزيد من الحرّية والاستقلال مقارنةً بنساء مناطق أخرى في الشرق الأوسط القديم، وهذه كانت أهمّ سمات الخلاف العقائدي ما بين تدمر وبابل، التي تشدّدت في ذكورة المجتمع وحرمت النساء من أغلب الحقوق الاجتماعية. وهو كذلك سبب خلاف اجتماعي وقع ما بين تدمر وروما، التي رفضت آنذاك منح النساء حقّ المواطنة، وعدّهنّ القانون الروماني متاع رجل، لا حقّ لهنّ بصوت ولا أملاك. فكانت المرأة وفق القانون الروماني تورَث ولا ترث.

تدمر كانت مركزًا تجاريًا هامًّا بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الشرقية والحضارات الأخرى، ممّا ساهم في تطور ثقافة متنوّعة ومتسامحة في المدينة، نرى أمثلة متعدّدة عليها، كمثل تاريخ مدينة دورا أويروپوس والرقّة وحمص وغيرهنّ. بالإضافة إلى أنّ تدمر ورثت التقاليد والعادات البابلية القديمة، التي سبقت تحوّل بابل عن المردوقية إلى اليهودية.

إذ أنّ نساء تدمر امتلكن حقوقًا اقتصادية كاملة، فكانت لهنّ القدرة على امتلاك الأراضي والمنشآت وإدارة الأعمال التجارية. كما تشير النقوش والوثائق الأثرية إلى أنّ النساء كنّ يشاركن في الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية. وتولّين مناصب هامّة في المعابد وشاركن في الشعائر الدينية. واشتغلت النساء في تدمر في مختلف مجالات الفنون والحرف اليدوية والزراعة، وكان لهنّ دور في تعليم الأطفال وتربيتهم في المدارس (الحضرات). وفي المجمل، تشير المصادر المتاحة إلى أنّ النساء في تدمر استمتعن بسعة من الحرّية والاستقلال في حياتهنّ الاقتصادية والاجتماعية والدينية مقارنة بالنساء في مناطق أخرى من العالم القديم.

أمّا الشاهدة التي افتتحنا بها التدوينة، فقد باعها سنة 1902 لمتحف المتروپوليتان في نيويورك أحد مشاهير تهريب الآثار العرب، وهو لبناني اسمه عزيز خيّاط. وُلد في مدينة صور سنة 1875 واشتغل كآثاري هاوٍ، نقّب في الكثير من المواقع في لبنان وسوريا ومصر واليونان طالما أنّه كان مواطناً في دولة جمعتها جميعاً آنذاك في دولة واحدة. غير أنّه كان في الواقع صائد كنوز، صنع ثروة من الحفريات غير الأكاديميّة، وكان يشتري الموظّفين الحكوميّين بالرشوة لتمكينه من تقليب المواقع الأثريّة. ويشير إليه النقّاد على أنّه نبّاش قبور لص، كسب عيشه من نهب القطع الأثريّة المهمّة ومن بيعها إلى جامعي التحف الأثرياء حول العالم. 

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم