التضليل بين مفاهيم قدرة الذكاء الاصطناعي والذكاء يثير القلق. أستغرب كثرة المقالات التي تتحدّث عن مستقبل يتفوّق فيه ذكاء الخوارزميّات الاصطناعي على ذكاء الإنسان… هذا غير منطقي وغير ممكن. وتصريحات جيوفري هينتون Geoffrey Hinto الأخيرة صدمتني وأفقدتني كلّ تقدير لهذا الرجل و”ذكائه”.
يوصف جيوفري هينتون بلقب The godfather of AI لكن تصريحاته الأخيرة أثبتت لي أنه لا يفهم مطلقاً ماهية الذكاء الاصطناعي، ولا قدراته. إذ أنّ هنتون يعتقد الآن أن الذكاء الاصطناعي قد يقضي على البشرية. ويقول “إنها كما لو أنّ الفضائيين هبطوا على كوكبنا ولم ندرك ذلك تماماً لأنّهم يتحدّثون الإنگليزية بطلاقة”… هذا كلام كوميكس الخيال العلمي الرخيصة وأفلام هوليوود، وليس كلام علماء.
بالمناسبة، تصريح هنتون هذا يكرّر حجج النازيين بضرورة طرد رإبادة يهود ألمانيا، لأنّهم بنظرهم أعداء غرباء يتحدّثون الألمانية بطلاقة.
تقنية الذكاء الاصطناعي هي أداة، ولن تخرج عن مكانتها كأداة… قديماً، حين استُبدل الإنسان بالثور على المحراث، اعتقدت الناس بتفوّق الثور وسيطرته على العالم، حتّى عبدت هذا الثور! لكنّ الثور بقي أداة ومحرّكاً، واستبدلته الناس باختراع المحرّك الميكانيكي. وكمثل ثور المحراث؛ تقنية الذكاء الاصطناعي تتطوّر بسرعة وسبقت بالفعل أداء الإنسان في مجالات محدّدة، مثل لعب الشطرنج، وترجمة اللّغات.
وهذا طبيعي، طالما أن الذكاء الاصطناعي لا يقدر على النسيان، وقادر على معالجة كمية ضخمة من البيانات بسرعة. وهذا يجعل من الذكاء الاصطناعي شيئاً أقدر من الإنسان، كالثور على المحراث، لكنّه لا يجعل من الذكاء الاصطناعي شيئاً أذكى من الإنسان. فهذه القدرات هي عضلات، وليست ذكاء.
إذ يجب ملاحظة أنّ الذكاء الاصطناعي وذكاء الإنساني مختلفان بشكل جوهري. يُعدّ الذكاء الإنساني ظاهرة معقّدة ومتعددة الأبعاد تشمل ليس فقط القدرات المعرفية ولكن أيضاً الجوانب العاطفية والاجتماعية والأخلاقية. من ناحية أخرى، يتم تصميم الذكاء الاصطناعي لأداء مهام محدّدة وحل المشكلات بناءً على الخوارزميات المبرمجة والبيانات.
على الرغم من أنّ الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة كميّات كبيرة من البيانات والكشف عن أنماط معقدة، فإنّه يفتقر إلى الإبداع والحدس والتعاطف والتفكير الأخلاقي الذي يتميّز به الذكاء الإنساني. يتمتّع الذكاء الإنساني كذلك بالقدرة على التعلّم المستمر والتكيّف مع المواقف الجديدة وتطوير المعرفة والمهارات الجديدة… الذكاء الاصطناعي غير قادر على التكيّف.
لذلك، من غير المرجّح أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محل الذكاء الإنساني بالكامل أو أن يقلّد جميع جوانب الذكاء الإنساني. ومع ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكمّل الذكاء الإنساني كأداة وبطرق مختلفة، مثل تطوير المهام الروتينية، وتزويدنا بالرؤى والتوصيات، والمساعدة في عمليات صنع القرارات.
ببساطة، الذكاء الاصطناعي هو أداة لتوسيع قدرات الإنسان وذكائه. لكن، لا قيمة لوجوده دون وجود الإنسان… تماماً، كقيمة الثور بالنسبة للمحراث والأرض المحروثة.
اترك تعليقًا