الإعلانات
, , , ,

حان الوقت للعودة إلى التبريد بلا كهرباء

أحد وسائل وتقنيات التبريد القديمة، التي أظنّ أنّ الوقت قد آن لعودتها للانتشار في الشرق الأوسط، هي تقنية سمّاها القدامة برودا و برودتا و يخچال. وأراها وسيلة جديرة بالعودة لأنّها تبرّد وتثلّج دون استعمال الكهرباء. وببساطة، هذه التقنيّة هي تضخيم للتقنيّة الفنيقيّة القديمة التي برّدت الماء بوضعه في أكواز فخّارية تحت سطعة الشمس.

اسمها برودا ܒܪܘܕܐ أو برودتا ܒܪܘܕܬܐ فمن الآرامية ومعناه ببساطة برودة. أمّا اسمها المعاصر یخچال فمن الفارسية من دمج كلمتين: يخ بمعنى جليد. و چال بمعنى قبو، فاليخچال هو قبو الجليد. وهي تقنيّة هندسية بسيطة لحفظ الجليد، لكنّها فعّالة فعّاليّة مذهلة دفعتها للاستمرار لآلاف السنين، ما يجعلها أحد أفضل طرق التبريد المستدامة. وتقنيّة اليخچال لا تنتج غازات دفيئة، ولا أيّ فضلات، ولا تستهلك أي طاقة مصنّعة، ولا تحتوي على أي مواد غريبة ونادرة أو ضارّة بالصحّة. ثلّاجات يخچال تتكوّن من الطين والقش والحجارة فقط.

نظام برودَا الذي شاع في بلاد شمال جزيرة العرب
نظام برودَا الذي شاع في بلاد شمال جزيرة العرب

بدأت تقنية اليخچال بالظهور في الشرق الأوسط مع نشوء المملكة الأخمينيّة العظيمة. ويُعتقد أنّها بدأت في مدينة يزد وسط إيران المعاصرة تماماً. ثمّ انتشرت عنها إلى كرمان وكاشان، ثمّ عبر الحدود، فعرفتها كل أرجاء إيران وأفغانستان وپاكستان والهند وتركستان وأقدمها في سمرقند وبخارى.  بالإضافة إلى شمال جزيرة العرب. أمّا شبه الجزيرة العربية فقد استخدم أنظمة أصغر بُنيت باستعمال الفخّار المشوي. وفي جزيرة العرب يُعتقد أنّ أوّل استعمال لليخچال كان في جزيرة البحرية، كما عُثر على آثار نظام برودا في عمّان في المملكة الأردنية، وعسير في المملكة السعودية، وجبال عُمان.

مخطّط تبسيط أجزاء اليخچال
مخطّط تبسيط أجزاء اليخچال

اعتمدت تقنية اليخچال على حرارة البيئة المحلّية، فكلّما كانت البيئة أكثر حرارة وجفافاً كلّما كانت فعّاليّتها أعلى. وصُمّمت هذه الأنظمة لتجميع الثلج ومنع ذوبانه، ما يحفظ برودتها على مدار السنة. والسمة الأساسيّة لليخچال هي مساحة تحت الأرض تحيطها جدران سميكة مصنوعة من مزيج من الطين والرمل واللِّبن والقش. في المنشآت الكبيرة كانت هذه الجدران سميكة بعدّة أمتار، ممّا يوفّر عزلاً حراريّاً ضدّ الحرارة الخارجيّة. وتحسبها من بعيد مساجد، غير أنّها في الواقع قباب لحفظ البرودة.

مخطّط تبسيط آلية عمل منشأة اليخچال
مخطّط تبسيط آلية عمل منشأة اليخچال

تقوم منشأة اليخچال بإنتاج الجليد محلّيّاً معتمدة على برودة الصحراء ليلاً، حين تنخفض الحرارة أحياناً إلى صفر مئوية، فيُنشر الماء على مسطّحات تتكفّل برودة الهواء بتجميده، فيقوم أمين اليخچال بكشطه ورميه في قعر قبو قبّة اليخچال لتحافظ على برودته حتّى مع صعود شمس النهار. 

وجدران اليخچال مهندسة بطريقة توجّه تيّارات حركة الهواء تسمح بالتهوية المستمرّة مع تدوير الهواء دون السماح للحرارة بإذابة الجليد. ويتكوّن نظام التهوية من عمود في وسط الهرم يسمّى مروحة الرياح (بادغير) يمتدّ فوق الأرض ليمتصّ التيّارات الهوائيّة الحرّة وإعادة توجهها إلى الغرفة تحت الأرض، ممّا يعزّز تدوير الهواء البارد ويساعد في عملية حفظ الجليد. ثمّ تقوم برودة الجليد بدورها في الحفاظ على الأطعمة باردة ومثلّجة على الدوام.

مخطّط التطبيق الحديث لليخچال
مخطّط التطبيق الحديث لليخچال

عظمة هذه التقنيّة أنّها مستدامة إلى درجة أنّ مبانيها في يزد مثلاً لم تزل تعمل حتّى بعد مضيّ أكثر من 2500 سنة على بنائها! هي ثلّاجات لا تنطفئ ولا تموت. إذ، على الرغم من انحسار استخدام هياكل اليخچال مع ظهور طرق التبريد الحديثة، غير أنّ بعضها لم يزل موجوداً يعمل حتّى اليوم. 

مخطّط لليخچال الحديث
مخطّط لليخچال الحديث

واليوم، كلّي ثقة أنّنا قادرون على تطوير تقنيّات جديدة مبنية على فكرة اليخچال وبرودا، أصغر ومناسبة للبيوت العصريّة، فتلغي حاجتها المستمرّة إلى الكهرباء للتبريد وحفظ الأطعمة من الفساد. فلنعمل معاً على إلغاء الحاجة إلى الكهرباء. 

سأكون سعيداً جدّاً برؤية تطويرات حديثة لليخچال تنتشر من جديد في بيوت سوريا والعراق واليمن ومصر وغيرها من البلاد التي يُعذّب سكّانها بسلاح الكهرباء.

دراسة أكثر توسّع يمكن قراءتها من هنا

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم