الإعلانات
,

بحثاً عن حبيبتي: من حقول اليمن إلى أعالي البراكين في كوستاريكا

أحبّ القهوة جداً. وبرغم نشأتي في دمشق غير أنّ ميولي المقهواة حلبيّة. فالقهوة الحلبيّة التي نسيها أهلها اليوم هي أميَل إلى مزاجي المسائي من مِزَاج القهوة الشامية الصباحي. وهذي الحلبيّة شهباء شقراء بغير هيل ولا إضافات. سوى أنّها قهوة مزّ بحموضة ليس فيها مرّ. ومزازتها في ذوق أهل الطرب تحتاج إلى تحلية، إلّا لمن اعتاد نكهة النبيذ المزّ ضعيف التحلية.

لكنّ ميولي كذلك تحبّ المرّ. ولأنّ قهوتي ليليّة في وقت لا أحبّ فيه نكهة السكّر، فقد لجأت بمساءاتي إلى قهوة البنّ العربية الأصليّة. نكهة حبّات الموكا ذات النواة الواحدة، التي إن قَدّمتُ لها بحبّ وعناية واهتمام، قدّمت لي قهوة بلون عيون حبيبتي البنّيّة، في طعمها نكهة شوكولا نبيلة، تبدأ بمرّ راق وأنيق، ثمّ تطبع حلاوة رقيقة على لساني قبل الختام والمغادرة، إلى قلبي.

ومن آداب القهوة العربية الرقيقة أن تُعامل كما العربيّات برقّة تليق بها، بهدوء دون ضغط الحرارة العالية، مع طول بال، تستحقّ نتيجته الصبر له. فتُخرج ما في قلبها بفورة هادئة متأنّية، حتّى تملأ قلب فنجاني بنكهات الصفاء وكلّ ما يُرضي. وهذه النكهة لا يقدّمها لنا في الأصل غير اليمن. وطالمَا لا تتوفّر منتجات اليمن عندنا بسهولة في ألمانيا. فقد بحث في منتجات مزارع العالم، حتّى وجدت ضالّتي واعتدت شراءها من أمازون.

وأقرب الاختيارات إلى قلبي هي القهوة البركانية من Costa Rica Peaberry، وهي حبوب بنّ تُحصد في ارتفاعات عالية من التربة البركانية، ما يمنحها نكهة فريدة مشرقة وحلوة. ثمّ بعدها قهوة “الأرْدُنّ كولومبيا” من Stumptown Coffee Roasters وهي قهوة فريدة في مراحل رشفتها نكهات التفاح الأحمر، والسكّر البني، والعنب. ثمّ بعدها قهوة الثلاث الأفارقة من Blue Bottle Coffee وهي خلطة من حبوب البنّ العربية عالية الجودة من ثلاث دول أفريقية. وتعطي كوب قهوة حلو بغير سكّر، مشرق وغنيّ. ثمّ بعدها قهوة خلطة كورسيكا من La Colombe وهي قهوة داكنة مع لمسة من الكراميل، والشوكولا الداكنة، والكرز الأحمر، فالبنّ في الأساس من أنواع الكرز.

الآن، الكارثة التي أعانيها حالياً هي أنّ هذه الأنواع جميعاً قد فُقدت من أمازون أوروپا مؤخّراً فجأة وبشكل غامض جدّاً وما عادت متوفّرة لأشتريها، وهذا يزعجني. اضطررت أخيراً لطلب كيلو من قهوة ميلِتّه كريم Melitta Barista Classic Crema وهي قهوة عربية تحميص وسط لا تعادل رقّة القهوة البركانية من كوستاريكا. لكن، ما العمل؟ المتاجر الأصلية لا تبيع أونلاين إلا بكمّيات كبيرة، وأنا فرد أعيش وحدي ولا يسعني تخزين كمّية كبيرة عندي، فأفضّل الشراء كيلو كيلو باشتراك من أمازون. وتكاد قهوتي أن تنفذ. وهايديلبيرگ حيث أقيم ليست بمتاجرها من الأماكن الصديقة لذوّاقة القهوة.

في الختام، يظل لي الأمل بأنّ ارتفاعات البراكين في كوستاريكا وحقول القهوة في كولومبيا والأفارقة الثلاثة وكورسيكا ستعود إلى أمازون أوروپا لتفوح منها رائحة القهوة التي أتنفسها في مساءاتي الهادئة. حتى ذلك الحين، سأحتفظ بذكرى النكهات والأوقات الجميلة التي قضيتها مع كل كوب قهوة على حدة.

القهوة ليست مجرد مشروب، بل هي رفيقة الحياة، الصديقة التي تواسينا في لحظات الوحدة، الشريكة التي تشاركنا أفراحنا وأحزاننا. هي إحدى الشعائر التي تشكّل جزءاً من حياتنا اليومية، وهي جزء من هويتنا وتاريخنا. ومع كل غروب شمس، أتمنّى أن يعود الغد بنكهات القهوة الجديدة التي يمكنني اكتشافها والتمتّع بها. وحتى ذلك الحين، سأواصل البحث والتجربة، لأنّ القهوة، مثل الحياة، هي رحلة لا نهائية من الاكتشاف والمتعة.

لذا، سواء كنتم تفضلون قهوتكم سوداء قوية، أو معلّلة بالحليب، أو محلّاة بالعسل والسكر، أو حتى بدونه، أتمنّى لكم كلّ السعادة والمتعة مع كلّ رشفة. وفي كل مرّة تشربون فيها القهوة، تذكّروا أن هناك عالمًا كاملاً من النكهات والروائح تنتظر اكتشافكم. فالقهوة والاستمتاع بالحياة، كليهم، هبة جميلة من الطبيعة لنا جميعًا.

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم