الإعلانات
, , , , , , , , , , , , , , ,

الأحمر… لون الأباطرة والثوّار

الأحمر اليوم هو لون راية الشيوعيّة. وكان قبلها هو والأحمر الأرجواني رمزّ للإسلام السياسي، وكان من قبله رمزٌ للمسيحيّة، وكان من قبلها رمزٌ لأديان بعل وتانيت وعشتار وذو الشرى (دُسارة) والوعل المقدّس آداد. ولعهد طويل كان هذا اللّون هو اللّون القومي لأغلب الحضارات العربية ودولها، فما هي حكاية هذا اللّون؟

يُعتقد اليوم أنّ الشعب الذي اخترع اللّون الأرجواني هو الشعب الفنيقي، وحدث ذلك في حوالي عام 1200 قبل الميلاد. لكن، هناك بعض الدراسات والبحوث التي تناقش اختراع شعوب الخليج العربي للألوان الأرجوانية وتقديسها قبل الفينيقيّين.

في عام 2013، نشر الباحث السعودي فهد بن عبد الله الحميد دراسة بعنوان {صناعة الصبغة الأرجوانية في الخليج العربي القديم}. وفي هذه الدراسة، يناقش الحميد الأدلّة الأثريّة التي تشير إلى أنّ شعوب الخليج العربي كانت تستخدم الصبغة الأرجوانية منذ آلاف السنين. ويشير الحميد إلى أنّ أقدم الأدلّة على استخدام الصبغة الأرجوانية في الخليج العربي تعود إلى العصر الحجري الحديث. وعُثر على بقايا من الأصباغ الأرجوانية في مواقع أثرية في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدّة.

في العصر البرونزي، أصبح استخدام الصبغة الأرجوانية أكثر شيوعاً في الخليج العربي. وعُثر على بقايا من الأصباغ الأرجوانية في مواقع أثرية في العراق وسوريا ولبنان. ثمّ في العصر الحديدي، أصبحت مدينة صور الفنيقية مركزاً رئيسيّاً لإنتاج الصبغة الأرجوانية. ومع ذلك، فإنّ الحميد يعتقد أنّ شعوب الخليج العربي كانت تستخدم الصبغة الأرجوانية قبل الفنيقيين.

مظهر ملكي عربي قديم من بين النهرين
مظهر ملكي عربي قديم من منطقة بين النهرين

في عام 2021، نشر الباحثان السعوديان محمد بن خالد العقيل وعبد العزيز بن عبد الله الغامدي دراسة بعنوان {الأرجوان في الخليج العربي: تاريخ وتراث}. في هذه الدراسة، يناقش العقيل والغامدي أهمّيّة اللّون الأرجواني في الثقافة الخليجية. ويشير العقيل والغامدي إلى أنّ اللّون الأرجواني كان رمزاً للثروة والسلطة في الخليج العربي. وكان يُستخدم في الملابس الملكية والاحتفالات الدينية. ويعتقد العقيل والغامدي أنّ شعوب الخليج العربي القديمة كانت تقدّس اللّون الأرجواني. ويستندون إلى هذا الاعتقاد على عدة عوامل، منها:

  • ارتباط اللّون الأرجواني بالآلهة والملائكة في الميثولوجيا الخليجية والعراقية.
  • استخدام اللّون الأرجواني في الشعائر الدينية.
  • حظر استخدام اللّون الأرجواني على عامّة الناس.

لذلك، من الممكن أن يكون اللون الأرجواني قد تمّ اختراعه وتقديسه من قبل شعوب الخليج العربي قبل الفينيقيين.

قواقع المرّيق البحريّة
قواقع المرّيق البحريّة

حوالي عام 1200 قبل الميلاد بدأت مدينة صور الفنيقية بإنتاج صبغة أرجوانية من أصداف حلزون البحر الصغير، وكانت أوّل من صدّر هذه الصبغة في البحر المتوسّط. كانت هذه الصبغة باهظة الثمن وذات جودة عالية، ممّا جعلها رمز للثروة والسلطة. وكان اللّون الأرجواني معروفاً باسم {أرجواني صور} أو {الأرجواني الإمبريالي}.

سرعان ما انتشر اللّون الأرجواني من صور إلى باقي أنحاء العالم القديم. أصبح اللّون المفضل للملوك والأمراء والحكّام الآخرين. كان اللّون الأرجواني أيضاً شائعاً في الديانة، حيث كان يُعتقد أنّه لون مقدّس. ففي رومَا القديمة، كان اللّون الأرجواني يُعرف باسم {الپُرپُره}. وكان هذا اللّون مخصّصاً للعائلة الإمبراطورية، وكان يُنظر إليه على أنّه رمز للسلطة المطلقة. وفي العصر البيزنطي، استمرّ اللّون الأرجواني في كونه لوناً مقدّساً ورمزاً للسلطة. كان الباباوات يرتدون رداءً أرجوانيّاً، وكان الأرجواني لوناً شائعاً في الفنّ البيزنطي.

سنة 1871 اتّخذت {كومونة پاريس} راية بلون أحمر جرياً على معتقد فرنسي يقول بأنّ يسوع المسيح هو المؤسّس الحقيقي للاسلطوية (الأناركيّة). ثمّ صار من بعدها لوناً للحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني سنة 1875، ثمّ لوناً لحزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي سنة 1898.

قبل هذا التاريخ ومنذ القرن الرابع، زيّن اللّون الأحمر الكثير من القصور والمنشآت في أوروپا كلون للمسيحيّة السياسيّة ورمز للإيمان المسيحي. حتّى صار رمزاً للملكيّة التي تعتمد على المسيحيّة السياسية لتتبيب أمور سلطانها.

نسخة محدّثة من الراية الرومانية من القرن 15
نسخة محدّثة من الراية الرومانية من القرن 15

في الماضي كان اللّون الأصفر هو اللّون الوطني في الإمبراطورية الرومانيّة ورفعت جميع الحكومات الرومانيّة راية بلون أصفر ترمز إلى المعبودة الشمس. لكن، حين دعى الإمبراطور قسطنطين إلى المجمع المسكوني الأوّل في نيقية سنة 325 رفع له راية العقيدة الآريّة (الآريوسيّة) الحمراء وصار من بعدها لوناً لرايات الكنائس الجديدة الناشئة على العقيدة النيقيّة الأولى. ثمّ، مع اعتماد المسيحية الكاثوليكيّة ديناً رسميّاً في القسطنطينية ولكل الإمبراطوريّة سنة 381 صار اللّون الأحمر يقوم بمقام اللّون الوطني لما صار يُعرف باسم راية القسطنطينيّة.

وكانت العقيدة الآريّة (الآريوسيّة) قد اتّخذت من اللّون الأحمر راية لها وراثة عن لون رايات الحكومات العربيّة التي تحوّلت إلى المسيحيّة ما بين القرنين الأوّل والثالث. وكانت هذه الحكومات العربيّة المسيحيّة قد حافظت على راياتها بلون أحمر الباقية من العهود التي سبقت التنصّر. 

فراية الغساسنة كانت حمراء يزيّنها في وسطها قرص الشمس بلون أصفر، وراثة عن رايات مملكة حمص (إميسان الغربيّة). بينما كانت مملكة أورهي (الرها) السريانيّة حمراء وراثة عن مملكة النبط في جنوب الشام. إذ كان أريُ مؤسّس المملكة ضابطاً نبطياً في جيش السلوقيّين، يقود الفيلق النبطي. ثمّ بعد التحوّل إلى المسيحيّة غيّر الغساسنة قرص الشمس في وسط الراية الحمراء إلى صورة القديس سركيس (سرقيُس)، أعظم شهداء الشرق.

راية الغساسنة المسيحيّين وقد تم استبدال صورة الشمس عليها بصورة القديس سركيس Σέργιος (سرجيُس) الرصافي
راية الغساسنة المسيحيّين وقد تم استبدال صورة الشمس عليها بصورة القديس سركيس Σέργιος (سرجيُس) الرصافي

واللّون الأحمر هو في الأصل اللّون الوطني والقومي لكلّ شعوب العرب، فجدران معابد العرب القديمة كلها كانت مطلية من الداخل بالأحمر. وأردية ملوك العرب كلّهم كانت بلون أحمر… فهو اللّون الملكي العربي، وهو سبب تسمية الكنعانيّين كذلك، فهي في الأصل قنّان أي مُحمَر، أمّا كلمة كنعان فهي نتيجة عن ترجمة نقحرة خاطئة لنص فرنسي. ولا غرابة أن تحمل مملكة العرب تسمية الحمر (حِميَر) لأنّ العرب حملن تسمية وصفة الحميّريّين نسبة إلى لون أردية ملوكهم وزعمائهم الأحمر.

راية مملكة حِميَر، مستطيل أحمر بإطار أبيض
راية مملكة حِميَر، مستطيل أحمر بإطار أبيض

كان الأحمر في البداية رمز للون دم طمث الأنثى في ديانة عشتار ثمّ ارتبط بلون دم الأضحية في الأديان اللاحقة، وخصوصاً ديانة داگون (دجن) الفنيقيّة التي كان عليها أغلب شعوب البحر الأبيض المتوسّط. وألوان العرب الوطنيّة، أو القوميّة لو أحببت، هي ألوان استخرجها أجدادنا من تربة بلادهم وبيئتها الوطنيّة، إذ بدأت السيرة بالأحمر المرقياني (الأرجواني) المستخرج من صنف من بطنيّات الأرجل البحرية والبينيّة تسمّى {مرَّيق} و {پُرپُر}، هذه الصبغة سمحت بصبغ الأقمشة والأخشاب باللّون الدم الاصطناعي دون حاجة لاستعمال دم حقيقي.

وهي تسمية {پُرپُر} تعني في الأساس {جبلة طين}، بسبب ارتباطها بميراث الديانة الجزيريّة القديمة وعبادة الربّ پُرُت 𒁍𒊒𒌓 (فرات) مصدر تسمية نهر الفرات. لأنّه يقدّم للإنسان السمك للغذاء والطين للبناء والقصب للكساء.

في العهد الروماني ثمّ البيزنطي، فضّلت أرستقراطيّة المجتمع طبقة مخمليّة خاصّة منحتها الأفضليّة في المناصب العليا، ونالت الحقّ الطبيعي في مناصب الحكم والقيادة، بالإضافة إلى امتيازات في الوسط الديني. اسم هذه الطبقة كان في اللاتينيّة {پورفيروقينتُس} Porphyrogenitus عن الإغريقيّة {پورفيروگانّيتوس} Πορφυρογέννητος ومعناها الحرفي {مولود أرجواني} ولفظها العوام في الإمبراطورية الرومانية {پُرپُره} purpura. إشارة إلى لون مدينة صور الأرجواني، وكان هذا اللون وهذه الصفة مقيّدة بالقانون الروماني والعرف ومسؤوليّة منحها محصورة بالملوك. هذه الجماعة فضّلت نظام الحكم الملكيّ وشكّلت العدوّ الطبيعي لمن يفضّلون نظام الحكم الجمهوري.

الإمبراطور فيليپ كان من حزب الأرجوانيّين في الإمبراطورية الرومانيّة، أي حزب الملكيّين في مصطلحات اليوم. واتّخذ هذا الحزب اللّون الأرجواني لراياته وللعباءة الملكيّة، وعدّت هذه الجماعة أنّها من المحافظين على ميراث ملوك صور الفنيقيّين والتزمت ممارسة ذات التقاليد الفنيقيّة الملكيّة في روما. وهذا سبب الالتزام باللّون الأرجواني المسمّى پُرپُره في اللاتينيّة، وهو لون أطلقت عليه مجتمعات المشرق القديمة تسمية {القاني} أو {الأحمر العميق}.

إذا أردت التعرّف على اللّون الأرجواني الملكي بدقّة استعمل هذا الكود #66023C. وكحال جميع الأصباغ الرئيسيّة، لا يمكن عرض اللّون الأرجواني الحقيقي على شاشات RGB لكنّ هذه العيّنات تعطي أقرب نتيجة ممكنة.

وفي الصورة هنا أقمشة مصبوغة بأصبغة فنيقيّة مختلفة مستخرجة من قواقع المرّيق البحريّة Murex ومعروضة في متحف التاريخ الطبيعي في ڤيينّا، النمسا، وهي الألوان التي تكرّرت في كلّ العقائد والأفكار والأديان التي خرجت عن جزيرة العرب.

الكلمة پُرپُره purpura بحد ذاتها كانت ذات قداسة في المجتمع الروماني لأنّها تتّصل كذلك بديانة الملكيّين وبملابس وألوان المعابد وأهل المعابد. وپُرپُره في الأصل عن الإغريقية پورفورا πορφύρω وتعني حرفيّاً لون {أرجواني المرَّيق} كما تعني كذلك {جبلة طين}، بسبب ارتباطها بميراث الديانة الحثّية وعبادة الرب پُرُت 𒁍𒊒𒌓 (فرات) مصدر تسمية نهر الفرات. لأنّه يقدّم للإنسان السمك للغذاء والطين للبناء والقصب للكساء. 

وفي وقت ميلاد كلمة پورفورا الإغريقيّة كان الإغريق على ديانة داگون الفنيقيّة نفسها، التي اتّخذت من مدينة الرقّة محجّها ومدينتها المقدّسة. وكان الفنيقيّون يستخرجون اللّون الأرجواني (الپُرپُره) من صنف من بطنيّات الأرجل البحرية تسمّى {مرَّيق} و {پُرپُر} وهو سبب اسم اللّون وسببٌ كذلك لتقديس الفنيقيّين لهذه الأصداف والتبرّك بها، كما يتبرّك المسيحيّين اليوم بالصلبان. أمّا الأرجوان الملكي فهو نفسه اليوم لون {الموتسِتّه} Mozzetta العباءة التي ارتداها البابا بندكت السادس عشر، وهو اللّون الحكومي لدولة پاپل Pontificio (دولة الكنيسة) ما بين القرن 8 والقرن 19.

اليوم، يعتبر العالم أنّ الراية الحمراء هي رمز للاشتراكيّة والشيوعيّة والماركسيّة والنقابيّة (العمّاليّة) واليساريّة وكلّ هذا وراثة عن مفاهيم أوروپيّة حديثة ربطت اللون الأحمر بفلسفة اللاسلطوية (الأناركيّة) التي استعملها نشطاء غرب أوروپا السياسيّن للتمرّد على السلطات الملكيّة، فصار الأحمر في هذه البلاد رمز لكلّ نشاط سياسي يعارض الملكيّة السياسيّة والمسيحيّة السياسيّة.

لبست هذه المفاهيم غرب الأوروپيّة اللّون الأحمر في النصف الثاني من القرن 19 حين أحيت {كومونة پاريس} اللّون الأحمر سنة 1871 واتّخذته راية لها في أثناء الثورة الفرنسيّة الرابعة. وصار من ذلك التاريخ رمزاً لكلّ الحركات الاشتراكيّة في العالم المعاصر. 

وكانت {كومونة پاريس} قد اختارت اللّون الأحمر لأنّه لون راية القسطنطينيّة، راية الدولة الأوروپيّة المسيحيّة الأولى، وفق المعتقدات الفرنسيّة، حيث اعتبرت أفكار {كومونة پاريس} أنّ يسوع المسيح هو اللاسلطوي الأوّل الداعي إلى المسيحيّة الأناركيّة. كتب الصحفي الپاريسي جورج لوشارتييه Georges Lechartier مثلاً {كان المؤسّس الحقيقي للاسلطوية هو يسوع المسيح… وأوّل مجتمع لاسلطوي هو مجتمع تلامذته}. 

راية كومونة پاريس، استناداً إلى تصوير من فن الاتحاد السوڤييتي
راية كومونة پاريس، استناداً إلى تصوير من فن الاتحاد السوڤييتي

قبل آواخر القرن 19، ما حدث أنّ اعتمدت اللّون الأحمر حركات اشتراكيّة أو لاسلطوية (أناركيّة)، إنّما هو كان في الواقع رمزٌ للحكومات الغربيّة الدينيّة والسلطات التي تعتمد ديناً مرجعاً لشرائعها وقوانينها. كالسلطنة العثمانيّة والسلطنة الشريفة (في المغرب)، ومن قبلهم الإمبراطوريّة البيزنطية؛ المعروفة بكونها الإمبراطوريّة الرومانيّة المسيحيّة.

الأحمر في جمهورية الصين هو رمز الشيوعية وراثة عن النظام السوڤييتي البائد. أما لون الصين القومي فهو الأصفر، يوم كانت الصين لم تزل بوذية ولم تزاح إلى الإلحاد والشيوعية. وللألوان كذلك مفاهيم مختلفة في الصين، فهي تصنف الشعوب حسب اتجاه بلادها. مثلاً كل الشعوب بعد تركستان إلى الغرب هي شعوب بيضاء، أما تركستان تركواز، وكل شعوب الجنوب هي أمم حمراء… وهكذا

ألوان الكاردينالات والوسطاء الصينية
ألوان الكاردينالات والوسطاء الصينية

قدّس العرب اللّون الأحمر والأحمر الأرجواني لآلاف السنوات، وبقي هو اللّون الأسمى والأكثر أهمّيّة. لكن، ما بين حِقْبَة الألفية الثالثة والألفية الأولى قبل الميلاد، نافس الأزرق اللّون الأحمر عند بعض العرب، لا سيّما في اليمن والعراق، إلى أن غلب اللّون الأزرق أخيراً في العراق سنة 626 ق.م حين صارت بابل مركزاً لديانة مردوق (بعل شميم) ثمّ اليهوديّة، ثمّ عاد للأحمر السيادة المطلقة في العراق في القرن الثالث مع التحوّل إلى الزرادشتية والمسيحية، وعاد للسيادة في اليمن باكراً مع نشوء دولة حِميَر المقدّسة في القرن الثامن قبل الميلاد.

في التراث العربي القديم، كان اللّون الأحمر أكثر أهمّيّة من اللّون الأزرق. فقد كان اللّون الأحمر يرمز إلى النار والحبّ والعاطفة والحرب والسلطة، وكان يرتبط بآلهة الشمس، مثل الإله شمس في بلاد الرافدين والإلهة هبة في بلاد اليمن. واتّخذته العديد من القبائل العربية القديمة لون قومي أو وطني، مثل قبيلة بني تميم التي كانت تلقّب بـ “بني شمس”. وقبيلة حِميَر التي كانت تلقّب بـ “البتراء” و “أصحاب التاج” و “السابئة”. 

ومع ذلك، كان اللّون الأزرق صاحب أهمّيّة كبيرة في التراث العربي القديم، مرتبطًا بإله القمر، مثل الآلهة سين و مه ومقه. وقد استخدمته العديد من القبائل العربية القديمة في ملابسهم وزخارفهم وأعلامهم. إذ كان اللّون الأزرق هو اللّون السائد في أعلام العديد من القبائل العربية القديمة التي عبدت القمر. مثل قبيلة طيء التي كانت تلقّب بـ “بني سين” و “بني قمر”. 

ثمّ، بسبب ثورة بار كوخبا عام 135 في فلسطين، صارت شعوب الطيايا ترى أهمّيّة كبيرة في إبراز اللّون الأزرق نكاية بالرومان، وهو ما امتدّ جنوباً كذلك حين كان اللّون الأزرق هو اللّون السائد في ملابس بعض أهل اليمن، منافساً أخضر أكسوم، ولا سيّما الملابس الرسمية. كما كان يُستخدم في الزخارف المختلفة، مثل النقوش والرسومات، على الجدران والمعابد والأواني.

عمل فنّي لمؤنس بخاري لتجسيد تنافس الأحمر والأزرق في التراث العربي
عمل فنّي لمؤنس بخاري لتجسيد تنافس الأحمر والأزرق في التراث العربي

يتضّح ممّا سبق أنّ اللّون الأحمر له تاريخ طويل وغنيّ بالرموز والمعاني، فقد ارتبط عبر التاريخ بالعديد من الثقافات والحضارات والأديان والمعتقدات. 

فقد كان الأحمر اللّون المقدّس والملكي في الحضارات القديمة مثل حضارات وادي النهرين ومصر القديمة وفينيقيا، ثم أصبح رمزاً للإمبراطورية الرومانية والسلطة المطلقة. وارتبط اللّون الأرجواني القاني بالنخبة والطبقة الأرستقراطية في الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية. 

كما كان الأحمر رمزاً للمسيحية السياسية في أوروپا قبل أن يرتبط بالحركات الاشتراكية والشيوعية والثورية منذ القرن التاسع عشر. وفي الوطن العربي، كان الأحمر هو اللّون الملكي والوطني منذ القدم، وارتبط بالعديد من الرموز والشعائر الدينية في حضارات ما بين النهرين وجزيرة العرب.

إن ثراء معاني اللّون الأحمر عبر التاريخ يعكس الأهمّية الرمزية والثقافية للألوان بشكل عام في حياة الإنسان والمجتمعات البشرية. ورغم اختلاف السياقات التاريخية، إلا أن هذا اللّون حافظ على دلالاته الأولية كرمز للهويّة العربية حتى يومنا هذا.

المراجع

  • الحميد, فهد بن عبد الله. (2013). صناعة الصبغة الأرجوانية في الخليج العربي القديم.
  • العقيل, محمد بن خالد والغامدي, عبد العزيز بن عبد الله. اللون الأرجواني في الثقافة الخليجية.
  • The History of the Color Purple: From Ancient Tyre to the Last Byzantium Emperors.
  • The Color Red in History, Culture, and Human Perception.
  • The Use and Significance of Color in Ancient Mesopotamia.
  • The Symbolic Meaning of the Color Red in Antiquity.
  • The Color Purple in Ancient Rome and Byzantium.
    Beekes, Robert S. P. (2010), πορφύρω, in Etymological Dictionary of Greek (Leiden Indo-European Etymological Dictionary Series; 10), with the assistance of Lucien van Beek, Leiden, Boston: Brill, page 1224
  • معجم الحيوان للفريق أمين معلوف دار الرائد العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة 1985 ص 165
  • McCormick, M. (1991). Porphyrogennetos. In Kazhdan, Alexander (ed.). The Oxford Dictionary of Byzantium. Oxford and New York: Oxford University Press. p. 1701.
الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم