الإعلانات
,

افتح على العالم نافذة

في رحلة الحياة، كثيراً ما نجد أنفسنا منغمسين في نمط معتاد، متمسّكين بمعارف وعادات متوارثة، معتقدين أنّها الطريق الأمثل. لكن هل توقّفنا يوماً لنتساءل: هل هناك طرق أخرى أفضل وأيسر؟

في عالمنا اليوم، حيث تتلاقى الثقافات وتتشابك الحضارات، يصبح الانفتاح على الآخر فرصة لا غنى عنها. فكل شخص وكل مجتمع لديه تجاربه وقصصه الفريدة التي نسجتها الأجيال عبر مئات السنين. وفي كل حكاية وتقليد كنز من المعرفة ينتظر من يكتشفه.

لكن اكتشاف هذه الكنوز يتطلّب منا تجاوز الغرور والأحكام المسبقة، وفتح قلوبنا وعقولنا بتفهّم وفضول. يتطلّب منّا الاستعداد للإصغاء بعمق وتعلّم كل ما هو جديد ومختلف. يتطلّب منا الشجاعة لتجربة نكهات وأفكار غير مألوفة، والحكمة لدمج ما يثري حياتنا منها.

فما رأيك أن نفتح اليوم نافذة جديدة على العالم؟ أن نستكشف سوياً كيف يمكن للانفتاح والتعلم من الآخر أن يصقل مهاراتنا، ويوسع آفاقنا، ويرتقي بأنفسنا ومجتمعاتنا نحو الأفضل؟

غالباً ما نتمسّك بمعارف متوارثة رافضين تحسينها وتغييرها وتطويرها؛ معتقدين أنّها الطريق الأمثل والأحسن. ودون أن ندري نقع هكذا في فخّ الغرور… الغرور والشعور بالاستغناء عن الآخرين، الذي يؤدّي إلى العزلة والجمود. 

مثلاً، نطبخ مكرّرين “هذه ما تؤكل إلّا هكذا” ونستمتع مكرّرين “هذه لا تُشرب إلى هكذا” ونسخر من المختلف ونرفض التجارِب … ونرفع الجدار فوق الجدار. وهذا غرور.

من الحكمة أن نتذكّر أنّنا مهما امتلكنا من معرفة ومهارات، فهناك حتماً من لديه ما نتعلّمه منه. الانفتاح على احتمال وجود طريق أفضل في هذا العالم هو سبيل النموّ والتطوّر. والغرور عائق يمنعنا من الاستفادة من خبرات العالم. 

التقبّل والانفتاح على الجديد هما مفتاح الارتقاء بالذات. عندما نتبنّى هذا النهج، تنهال علينا الخبرات والمعارف من كلّ اتجاه، ونرتقي بأنفسنا نحو آفاق جديدة من النمو والعطاء.

أمّا عندما نغلق أنفسنا على ما نعرفه ونؤمن به، نفقد القدرة على التكيّف والتطوّر في عالم دائم التغيّر. وننحاز إلى الهامش.

دائماً ضع في حسبانك وجود شخص آخر على هذا الكوكب، يعرف أكثر منك، يفعلها أفضل منك، وأجادها أحسن منك… ابحث عنه.

العالم كلّه مصدر للتعلّم والتطوّر، فكلّ شخص دَرْس نتعلّمه، وكلّ تجرِبة حكمة. المعارف والمهارات موجودة في كلّ مكان، وكلّ إنسان على هذا الكوكب لديه شيء مميّز يضيفه إلينا. 

الكندي، أحد أوائل الفلاسفة المسلمين، قال مرّة: “ينبغي لنا ألّا نستحي من استحسان الحقّ واقتناء الحقّ من أين أتى، ولو من الأجناس القاصية عنّا والأمم المباينة لنا”. وبرأيي، هذه هي النظرية الأسمى لفهم التاريخ وإدارة المجتمع وبناء الهُوِيَّة.

في حياتنا اليوميّة، كثيراً ما نتمسّك بالطرق التقليدية في فعل الأشياء، معتقدين أنّها الأفضل لمجرّد أنّها متوارثة عن الأجيال السابقة. ونقع في فخّ الغرور بمعارفنا وعاداتنا، فنغلق أنفسنا عن التجارِب الجديدة والأفكار المبتكرة.

غير أنّ ما هو جديد ومبتكر لنا قد يكون أمراً مألوفاً وتقليديّاً في ثقافة أخرى. وهذا يؤكّد أهمّية الانفتاح والتواصل بين الثقافات لاكتشاف هذه الكنوز المخبّأة.

مثلاً، تقنيّة الطهي بالبخار باستخدام السلّة البامبو هي طريقة شائعة في شرق آسيا منذ قرون، لكنّها قد تبدو فكرة جديدة ومثيرة للاهتمام في غرب آسيا. أو استخدام التوابل المختلفة في الحَلْوَيَات، كالقرفة والهال والزنجبيل، وهو أمر مألوف في المطبخ العربي والهندي، لكنّه قد يكون مفاجئاً لمن اعتاد على الحَلْوَيَات غرب الأوروپية.

وهذا ينطبق على العديد من جوانب الحياة، من الفنون والحرف اليدوية، إلى الطب البديل والممارسات الروحانية. فكلّ ثقافة لديها حكمتها وتقاليدها التي تطوّرت عبر آلاف السنين، والتي يمكن أن تلهمنا وتثري حياتنا بطرق لم نكن نتوقّعها.

لكن لاكتشاف هذه الكنوز، علينا أن نتجاوز فضولنا وننفتح على العالم من حولنا. أن نستمع بشغف لقصص الآخرين، ونتعرّف على عاداتهم وتقاليدهم، ونجرّب أشياء جديدة بعيدة عن عاداتنا المعتادة.

مثلاً، في الطبخ، قد نصرّ على طهي الأرز بطريقة معيّنة لأنّ أمّهاتنا وجدّاتنا كنّ يطهينه هكذا، ونرفض تجرِبة طُرُق جديدة من ثقافات أخرى. أو نعدّ القهوة والشاي بالطريقة نفسها دائماً، غير منفتحين على أساليب التحضير المختلفة حول العالم.

لكن الحكمة تكمن في إدراك أنّ هناك دائماً مجالاً للتعلّم والتحسين، حتى في الأمور اليوميّة كالطبخ. فكلّ بلد وكلّ ثقافة لديها أسرارها ونكهاتها الخاصّة التي يمكن أن تثري تجربتنا وتوسّع آفاقنا.

في عصرنا الحالي، مع سهولة التواصل والسفر والوصول إلى المعلومات، أصبح التعرّف على ثقافات العالم المختلفة أسهل من أي وقت مضى. فبضغطة زر، يمكننا استكشاف وصفات من كل بقاع الأرض، وتعلّم حرف يدوية من حرفيّين محترفين، والغوص في حكايات وتقاليد شعوب بعيدة.

فبدلاً من التمسّك بالمألوف والمعتاد، يمكننا التجرّؤ على اكتشاف طرق جديدة لتحضير أطباقنا المفضّلة، والانفتاح على إبداعات الشعوب من مختلف أنحاء العالم. قد نكتشف نكهات لذيذة ومكوّنات مبتكرة تضفي لمسة مميّزة على وجباتنا.

هذا الانفتاح لا ينطبق فقط على الطعام، بل على كلّ جوانب الحياة. فالتعلّم والنمو لا يتوقفان عند عمر معيّن أو مجال محدّد. وكلّما توسّعنا في اكتشاف العالم من حولنا، كلّما أثرينا حياتنا وطوّرنا مهاراتنا.

في المقابل، عندما ننغلق على أنفسنا ونرفض الأفكار الجديدة، نحرم أنفسنا من فرص التطوّر والاستمتاع. ونبقى أسرى لما اعتدنا عليه، غير قادرين على مواكبة التغيّرات من حولنا.

برأيي أنّ الانفتاح على الآخر والاستعداد للتعلّم منه هما مفتاح التطوّر والارتقاء بالذات والمجتمع. فكما ذكرت، التمسّك الأعمى بما نعرفه ونؤمن به يؤدّي إلى الجمود والانغلاق، ويحرمنا من فرص اكتساب معارف ومهارات جديدة تثري حياتنا.

في عالمنا اليوم المتغيّر باستمرار، من الضروري أن نتحلّى بالمرونة والانفتاح لمواكبة هذه التغيّرات. فالتجارب والخبرات الجديدة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني أو الاجتماعي، تساعدنا على توسيع آفاقنا وتطوير أنفسنا. كما أنّ التعرّض لأفكار وثقافات مختلفة يعزّز قدرتنا على التفكير النقدي والإبداعي.

لكن الانفتاح لا يعني التخلّي عن هويّتنا أو قيمنا الأساسية. بل يعني الاستعداد للاستماع بتفهّم وتقبّل الاختلاف، والاستفادة من كلّ ما هو إيجابي ومفيد. فكما قال الكندي، الحقيقة والحكمة يمكن العثور عليهما في كلّ مكان، حتى لدى من نختلف معهم.

في المقابل، الانغلاق والتعصّب يولّدان الصراعات والانقسامات، ويعيقان التقدّم والازدهار. فعندما نرفض الاستماع للآخر ونتشبّث بأفكارنا، نحرم أنفسنا ومجتمعاتنا من فرص النمو والتطوّر.

لذلك، علينا أن نتحلّى بالتفهّم والشجاعة لتجاوز غرورنا وأحكامنا المسبقة، والانفتاح بإيجابية على العالم من حولنا. فالحياة رحلة تعلّم مستمرّة، وكلّ تجرِبة وكلّ لقاء فرصة لإثراء معارفنا وصقل مهاراتنا. وكلما توسّعت دائرة تفاعلنا واحتكاكنا بالآخرين، كلّما نما فهمنا للحياة ولأنفسنا.

في النهاية، مفتاح النجاح والتميّز والتطوّر هو القدرة على التعلّم المستمر والتكيّف مع المتغيّرات. والانفتاح بتفهّم وثقة على الآخرين ومعارفهم وتجاربهم شرط أساسي لتحقيق ذلك على مستوى الأفراد والمجتمعات.

الإعلانات

تبرّعك يساعدنا على الاستمرار، ويدعم تطوير هذا المحتوى العلمي

مرة واحدة
شهري
سنوي

تبرّع لمرّة واحدة

تبرّع شهريّاً

تبرّع سنويّاً

اختر المبلغ

€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00
€5.00
€15.00
€100.00

دعمك لنا مفيد جداً.

شكراً جزيلاً لدعمك.

نقدر على الاستمرار بفضل دعمك.

تبرّعتبرّعتبرّع

تعليقات

أضف تعليق

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم