مطبخ, السودان, تاريخ

قهوة السودان… جبنة!

للكثير من الناس تعبّر كلمة الجبنة عن اللّون الأبيض أو الأبيض المصفر، شيء كثيف دسم مصنوع من أنواع الحليب الحيواني والنباتي. لكن بالنسبة للثقافة النوبيّة فكلمة جبنة تشير إلى شيء مختلف تماماً، مشروب أسود محبّب ولذيذ يصاحبه الكيف والجلسات العائلة. هي قهوة الجبنة، نتحادث بها قليلاً مع هذه الصورة الجميلة لجلسة قهوة من السودان.

نساء سودانيّات تشربن قهوة الجبنة
نساء سودانيّات تشربن قهوة الجبنة

تنتشر قهوة الجَبَنَة باسمها وبطريقتها حيث تنتشر الثقافة النوبيّة، فهي من المشروبات الرسميّة عند قبائل البشاريّين والعبابدة في حلايب وشلاتين، وفي النوبة المصريّة وشرق السودان وإريتريا وإثيوپيا، حيث تسمّى ጀበና.

في الواقع تُطلق كلمة الجَبَنَة أساساً اسم للإناء الفخّاري الذى تُصنع فيه القهوة. وإناء القهوة هذا يتوارث عادة في العائلات لأجيال، وتفخر العائلة إذ ذاك أنّ الجَبَنَة في بيتها تعود إلى الجدّ الرابع أو السادس أو أقدم.

أمّا مشروب قهوة الجَبَنَة فيُصنع من البنّ المحمّص في صفيح معدني، بمقدار الشرب، ثمّ يدقّ فى مدقّ من خشب الأبنوس مع الزنجبيل وحبّ الهال (حبّهان في مصر والسودان). ثمّ، بعد الدقّ يدلق المسحوق في الجَبَنَة الفخّارية، ليضاف إليه الماء الساخن ثمّ يُحكم إغلاقه، ويُنقع مدفوناً في الفحم حتى ينضج المشروب على مزاج شاربه.

تحميص البن على الصفيح قبل تحضيره للجبنة
تحميص البن على الصفيح قبل تحضيره للجبنة

أخيراً تصفّى قهوة الجَبَنَة عبر شبكة ناعمة مصنوعة غالباً من شعر الخيل، وتصبّ عادة في فناجين صغيرة رقيقة (فناجيل) مصنوعة من الطين الأحمر، لكنّ هذه الفناجين التقليدية تختفي اليوم مقابل البورسلان الشائع.

ولقهوة الجَبَنَة شعائر فى إعدادها وتناولها، إذ من المعيب مثلاً أن تتناول أقل من ثلاث فناجين إذا دُعيت إليها. كما يجب أن يُطلَق من حولها البخور من اللّبان والصندل، كي لا تفسد فرحة الجلسة. ومن عادات الأسوانيّين شرب القهوة كلّ يوم بعد العصر مرّة أو مرّتين على الأقل. 

عموماً تُحضّر القهوة في الجَبَنَة ثلاث مرّات في اليوم، في الصباح والظهر، والعشاء. وعند تحضير القهوة، عادة ما يكون الوقت قد حان للاختلاط ما بين الرجال والنساء. عادة ما تكون الأم أو أصغر امرأة في الأسرة هي الشخص الذي يبدأ إعداد القهوة وتبدأ عملية تحضير حبوب البن لتخمير الجَبَنَة. تُغسل حبوب البن وتُحمّص ثم تُطحن من قبل النساء، وغالباً ما تُخلط مع التوابل قبل أن يبدأ تحضير القهوة.

أناقة امرأة سودانية تحمل إناء الجبنة
أناقة امرأة سودانية تحمل إناء الجبنة

بعد تحميص حبوب البن وطحنها، ما قد يستغرق أربعين إلى ستين دقيقة، تُحضّر القهوة في الجَبَنَة وتقدّم على ثلاث مراحل منفصلة. في أثناء تحميص البن استعداداً لوضعها في الجَبَنَة، يتم تمرير المكسّرات أو أي وجبات خفيفة صغيرة أخرى. والمراحل الثلاث، تُعرف الأولى بالأولي، والثانية بالتني، والثالثة بالبركة. في المرحلة الأولى من هذه المراحل، تكون القهوة قويّة ومركّزة. عموماً، تستغرق المراحل الثلاث عادةً ساعتين أو أكثر.

في أثناء تحضير القهوة في الجَبَنَة، غالباً ما تُشعل المرأة البخور لخلق جو أكثر راحة في المنزل، ولإكمال شعائر الجَبَنَة. ليس من المعتاد إضافة السكّر أو الزبدة أو الحليب إلى القهوة في أثناء تخميرها أو بمجرّد تقديمها خارج الجَبَنَة، وتُقدّم القهوة للأشخاص الجالسين سواء على الأرض، مع قيام المضيفة بإعداد صينيّة الفناجيل لتقديمها لكلّ فرد على حِدَةٍ.

وللجَبَنَة أثر عميق على حياة المجتمع، إذ عادة ما يتمّ حلّ المشاكل الاجتماعية في أثناء شرب قهوتها، بالإضافة إلى تبادل الأخبار وسير الأجداد في مثل هذه الجلسات الحميميّة… هل تحبّ تجربة الجبنة السودانيّة مثلي؟

الإعلان

رأي واحد حول “قهوة السودان… جبنة!”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s