, ,

تاريخ المنتو… أكثر الأكلات شيوعاً في قارة آسيا

الإعلانات

كثير من الناس تحكي اليوم بأكلة معجّنات تركية محبوبة عند كامل الشعب التركي، شائعة باسمين هنّ: منتي أو منتو… ولهذه الأكلة تاريخ مثير من المهم أن نتعرّف به، وبخاصة لوجود أكلتين في المطبخ الشامي من بنات المنتو هنّ الششبيرك (بورك بيضاء) والططبيرك (بورك صلعاء)… اللّفظ السوري الشائع لاسم الأكلة هو منطي، لكنّ اسمها عند الأتراك هو منتي وعند بقية العرب منتو، وهذا الأخير هو اللّفظ الصحيح للاسم، وهو الشائع في تركستان وعموم وسط آسيا.

يشيع في سوريا لفظ مانطو تسمية للعباءة النسائية المفتوحة أو المعطف الرجالي الطويل، وهذه ”مانطو“ كلمة تركيّة في الحقيقة وتنحدر من ذات المصدر الأوّل لتسمية أكلة المنتو أو المنتي… كلمة مَنتو أتت أساساً من لفظة مونگولية (مغولية) معناها ”ملفوفة“. وكما يلفّ المانطو جسم المرأة كذلك عجينة المنتو تلفّ الحشوة وتحفظها داخلها من الجفاف ومسّ الهواء. ويقابل كلمة منتو المغولية كلمة مُنطوٍ العربية.

والصورة للشكل التقليدي لتقديم المنتي الأوزبكيّة.
والصورة للشكل التقليدي لتقديم المنتي الأوزبكيّة.

المنتو أساساً أكلة من أكلات البدو الرُعاة، التي حملنها معهم مجفّفة كتقنيّة لحفظ اللّحم، ثمّ يصير من السهل طبخها على بخار الماء. أساس وصفة المنتو هو عجينة مخمّرة وسميكة من الطحين الأبيض والماء محشوّة بلحم غنم مفروم مع حبّات الفلفل الأسود.

انتشرت المنتو بدايةً بين بدو وسط آسيا، وخاصّة في المنطقة التي هي اليوم شمال وشمال غرب الصين، وأغلب سكّانها من المسلمين المتنوّعين ما بين ويگور ترك ومونگول وهان صينيّين. ومن هذه المنطقة شمال الصين دخلت المنتو مطبخين وصارت أساسيّة فيهم، هم مطبخ الصين الإمبراطوري ومطبخ تركستان وسط آسيا.

بداية دخلت المنتو المطبخ الملكي الصيني خلال القرن الرابع قبل الميلاد (من 2300 سنة) وصارت على قائمة مائدة احتفاليّة حلول فصل الربيع (النوروز) باسم (曼頭; màntóu)، فصار يصنع منها أهل الصين صنفين: المبخّرة البيضاء والمقليّة الذهبيّة، وتُقدّم مع قطر السكّر. فيم بعد، صار أهل الصين يبالغن بحجومها، ودخلت كلمة مانتو معاجم اللّغة الصينيّة بمعنى ”الخبز المبخّر“.

المانتَو الصيني المعاصر
المانتَو الصيني المعاصر

حافظ بدو المونگول (المغول) على المنتو متوسّطة الحجم مع عجينة سميكة وأطلقن على حشوتها اسم ”بَوزي“ وانتشرت فيما بعد تسمية ”بُوز“ Бууз لصرر المنتو المعمولة بشكل وردات… وخلف هذه الكلمات كلمة ”بَون“ المونگولية التي تعني ”كعكة مدوّرة“ أو “فطيرة مدوّرة”. وحافظن على تقنية طبخها بالتبخير من بعد التجفيف، لكنهم حذفن الفلفل الأسود من الوصفة؛ وأضفن شحمة مفرومة مع الهبرة. ولم تزل طبخة المنتو (البوز) إلى اليوم من أهم طبخات عيد راس السنة القمريّة في التراث المونگولية ᠴᠠᠭᠠᠨ ᠰᠠᠷᠠ، الذي هو عيد عشتار.

صرر البُوز المونگولية (المغولية)
صرر البُوز المونگولية (المغولية)

أما في مطبخ وسط آسيا، وبسبب التخالط الدائم عبر التاريخ بين ثقافات البدو والحضر في هذه المنطقة، حافظت الناس على المنتو في شكلها الأصلي: وردات من العجينة السميكة المحشوّة لحم غنم مفروم ناعم مع الفلفل الأسود، وأحياناً البصل (إذا كانت ستُطبخ فوراً دون تجفيف) وتُقدّم مع الثوم باللّبن الخاثر (كريم الحليب الحامض). اسم المنتو باللّغة البخارية والويگورية ”مأنتى“ وبالأوزبكيّة المعاصرة ”منتي manti“ و“مانتي monti“، وتُعتبر المانتى في الثقافة البخارية من أهمّ أكلات مطبخ البخاران (البخارين) اليهودي.

المانتي الأوزبكية
المانتي الأوزبكية

وصلت المنتو المطبخ الأرمني باسم ”منتي“ մանթի خلال فترة الإمبراطورية المونگولية-التركية خلال القرن 13، وشكلها غريب نوعاً ما عن الوصفة الأصليّة لأنّ صرر المنتي في المطبخ الأرمني لا تُغلق بشكل كامل وتبقى مفتوحة لكي تظهر حشوتها، وتُنطبخ خبزٌ في الفرن. لكن في نسخة ثانية من المنتي الأرمنيّة التي يصنعها الأرمن خارج أرمينيا، بالإضافة إلى الجورجيّين والأذربايجانيّين، وشكلها أقرب إلى المنتي البخاريّة بحجم صرّتها الكبير نسبيّاً واحتوائها على الشحم في داخلها. تُطبخ تبخير أو سلق واسمها خينكالي أو كينقالي أو قينگالي… وهكذا.

المنتي الأرمنية التقليدية
المنتي الأرمنية التقليدية
الخينكالي القوقازية
الخينكالي القوقازية

وخلال حياة الإمبراطورية المونگولية (المغولية) صارت المنتو سلعة تجارية تُصدّرها المعامل المونگولية لكلّ أنحاء العالم، طالما هي معجّنات مجفّفة ليست بحاجة للحفظ إلا من الرّطوبة. وصارت المنتو آنذاك أهمّ السلع المحمولة ضمن بضائع طريق الحرير، واحتكر تجارتها التجّار التاتار (القازان) المقيمين بمنطقة قيصري وسط جمهوريّة تركيا المعاصرة. وحافظ تاتار قيصري على الشكل الأصلي للمنتو التاريخي، صرر صغيرة جداً من العجين السميك المحشية لحمة غنم مفرومة فقط.

وعن طريق الإمبراطورية المونگولية دخلت المنتو كذلك المطبخ الكوري خلال القرن 14 وصار اسمها مَندو 만두 وشكلها جميل حقيقةً على الموائد الكوريّة بسبب قرب تصميمها الكبير من شكل الوردة الجوريّة الدمشقيّة، وما تغيّرت وصفتها الأصليّة في المطبخ الكوري، سوى استبدال لحم الغنم أحياناً بأنواع مختلفة من لحوم أخرى متل البقر والدجاج.

المندو الكورية
المندو الكورية

وخلال القرن 14 صارت المنتو من أهمّ مكوّنات المطبخ الأفغاني وتُصنع بنفس الشكل الأرمنيّ مفتوحة بدون إغلاق كامل. تُطبخ حصراً تبخير، لكن حشواتها مخلوطة من لحم البقر والغنم مع بعض مع البصل الناعم والبهارات. وتُقدّم مغطاة باللّبن والثوم، مع النعناع الجاف وعصير اللّيمون والثوم المهروس. وفي شكل ثان حديث نسبيّاً لتقديم المنتو الأفغانية يُتقدّم إلى جانبها صلصة حمراء معمولة من البندورة مع البازيلاء أو فاصوليا الكلاوي، أو اللّحم المقلّى المفروم ناعماً. وكذلك تُقدّم مع صلصة تشاتني (چتني) حَرّة من الفلفل الهندية الحمراء والخضراء الحرّة.

وبنفس الوقت تقريباً دخلت المنتو المطبخ الروسي باسم مَنتوڤَركا mantovarka وهو اسم وعاء طبخ المنتو، وحافظ الروس على طبخها بالتبخير، لكن فيما بعد في القرن 15 قدّمها الطبّاخين (التاتار) القازاق في روسيا مقليّة، وابتكروا طريقة جديدة بطبخها بواسطة تبخيرها وقليها بعدها مباشرة، لطرد رطوبة التبخير من العجينة واستبدالها بالزيت النباتي.

وعاء المَنتوڤَركا لطهي المنتو في روسيا
وعاء المَنتوڤَركا لطهي المنتو في روسيا

لاحقاً دخلت المنتو المطبخ العثماني خلال القرن 15 باسم مَنتى mantı وقدّمها للسلطان الشيف محمّد بن محمود شيرڤاني بوصفة عثمانية خاصّة صنع فيها العجينة رقيقة جدّاً، وطوّر الحشوة بإضافة الحمّص المهروس إلى هبرة الغنم مع القرفة والخل. وقدّمها مزيّنة بالسمّاق وإلى جانبها زبدية لبن وثوم للتغميس على الطريقة البخارية.

ومع الأفغان وخلال القرن 18 دخلت المنتو كذلك المطبخ الحجازي وبالتالي صارت من الأكلات الشائعة في المملكة العربية السعودية اليوم بنفس اسمها المنتو، لكن على الوصفة الأفغانية، رغم شيوعها بين مطابخ البخارية بالحجاز على الطريقة البخاري.

المنتو الحجازي ذو الأصل الأفغاني
المنتو الحجازي ذو الأصل الأفغاني

اليوم تنوّعت أصناف المنتو (المنتي) بشكل كبير في المطبخ التركستاني (القازاق والأوزبك والطاجيك والقيرغيز (الكرج) وما حولهم) وصارت تُحشى لحمة غنم وبقر، وصار في منها أصناف نباتيّة تُحشى أنواع مختلفة من الخضراوات متل الكرنب والبطاطا واليقطين، ودائماً مع فرمة شحمة داخل صرّة المنتي حين لا تكون نباتيّة. وتُقدّم بأشكال مختلفة:

  • مغطّاة بالزبدة والقشطة الرائبة (الحامضة).
  • مرشوشة بالخل والفلفل الأسود مع شرحات رقيقة من البصل الأخضر.
  • تُقدّم مع سوص معمول من الخل والشطّة، وبهذه الحالة يصبح اسمها كسكوني.
  • تُقدّم كذلك بالشكل التقليدي مع سلصة تغميس من اللّبن والثوم.
الإعلان
الإعلانات

صورة أفاتار مؤنس بخاري
الإعلانات

تعليقات

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

الإعلانات

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

%d مدونون معجبون بهذه: